يشير تصاعد التوتر الميداني بين قوات الحكومة السورية، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على خطوط التماس شرقي سورية، إلى هشاشة التفاهمات السياسية التي يجري الحديث عنها في إطار اتفاق 10 مارس/آذار الماضي المتضمن اندماج “قسد” بمكوناتها العسكرية والأمنية والإدارية في الدولة السورية.
وأسفرت الاشتباكات بين الجانبين على محور معدان في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، أمس الخميس، عن مقتل اثنين من عناصر الجيش السوري وجرح آخرين، وذلك بعد أسابيع من الهدوء الحذر، أعقبت إعلان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وقفاً تاماً لإطلاق النار على كامل الأراضي السورية، وذلك إثر جولة مفاوضات بين الجانبين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن خرق اتفاق وقف النار، إضافة إلى اتهامات من “قسد” لقوات الحكومة بإيواء عناصر من تنظيم “داعش” وتمكينهم من اطلاق مسيّرات باتجاه عناصر “قسد” في بادية غانم العلي شرق الرقة.
كما يفسّر البعض تصاعد التوتر العسكري، بأنه يأتي في سياق الضغوط الميدانية لتحريك المواقف السياسية، خصوصاً في ظلّ الاحتقان الناجم عن الدعوات المتكررة لانتهاج الخيارات العسكرية لحسم الموقف مع “قسد” بسبب تعنتها ومماطلتها في تنفيذ الاتفاقيات طوال الأشهر الماضية، لا سيما مع اقتراب انتهاء مهلة تطبيق الاتفاق، وهي نهاية العام الحالي.
مهند الكاطع: ما يجري اليوم يشبه إلى حد كبير “فخّ السويداء”
تفسير سياسي لتصعيد “قسد”
ورأى الكاتب والباحث السياسي مهند الكاطع، أن “قسد” دخلت “في مرحلة تصعيد غير مسبوقة خلال الأيام الماضية، وهو تصعيد لم يأتِ من فراغ، بدأ بتصريحات نارية صدرت عن مسؤولين سياسيين وعسكريين في قسد، وصلت إلى حدّ اتهام الجيش السوري بأنه يضم عناصر من “داعش”، وهو طرح غير مسؤول، ولم نسمعه حتى في أكثر مراحل التوتر السابقة”، وفق رأيه.
وأضاف الكاطع في حديثه مع “العربي الجديد”، أن التصعيد انتقل بعد ذلك إلى الميدان، حيث استأنفت “قسد” عمليات استهداف مواقع الجيش السوري على خطوط التماس، وانتهى الأمر أمس، بعملية تسلل أدّت إلى مقتل عناصر من الجيش السوري في إحدى النقاط، وتمّ تصويرهم والتنكيل بجثثهم. ورأى أن هذا السلوك لا يُفسَّر عسكرياً بقدر ما يُقرأ سياسياً، معتبراً أنه تصعيد مقصود ومخطط، ويهدف إلى استفزاز الحكومة السورية ودفعها إلى ردّ عسكري مباشر، وخلق حالة توتر داخلي تسمح لـ”قسد” بتسويق نفسها على أنها مستهدفة، وبالتالي تبرير التراجع عن أي التزام سياسي، وصولاً إلى تفجير مسار الاتفاق قبل الوصول إلى لحظة الاستحقاق في نهاية العام الحالي.
وأوضح الباحث السياسي، أن ما يجري اليوم يشبه إلى حد كبير “فخّ السويداء”، حيث “يُراد دفع الدولة إلى مواجهة مفتوحة تُستخدَم لاحقاً ورقةً سياسية ضدها، أو ذريعةً لاستجلاب دعم خارجي”. ولفت إلى أن الحكومة تحاول تفادي الانجرار إلى هذا الفخّ قبل انتهاء المدة الممنوحة لـ”قسد”، لأنها تدرك أن “أي ردّ عسكري الآن سيُستخدم ضدها إقليمياً ودولياً، بينما الصبر إلى نهاية المهلة سيضع الأطراف الدولية والإقليمية أمام مسؤولياتها، ويمنح الحكومة أوراقاً أقوى في حال احتاجت إلى خيارات بديلة إذا استمرّت قسد في المماطلة”.
كما أيّد المحلل السياسي أحمد المسالمة هذا الرأي، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد”، أن مزاعم “قسد” عن وجود عناصر من “داعش” يقاتلون إلى جانب قوات الحكومة السورية، محاولة لتصوير قوات الحكومة و”داعش” كأنهما شيء واحد، وأن “قسد” هي المخولة فقط بمحاربة التنظيم. وكانت “قسد” قالت في بيان لها، إنها قدمت وثائق للتحالف الدولي ولدمشق تثبت “غضّ الطرف” من جانب قوات الحكومة، بل و”توجيه” عناصر “داعش” نحو نقاطها شرق الرقة.
أحمد المسالمة: “قسد” تريد جرّ الحكومة إلى معركة قبل انتهاء مدة الاتفاق نهاية العام، وذلك بتنسيق مع إسرائيل
وقال المسالمة إن “قسد” تستهدف كما يبدو جرّ قوات الحكومة إلى معركة قبل انتهاء مدة الاتفاق نهاية العام الحالي، معتبراً أن ذلك يتم بتنسيق، وربما بتخطيط مشترك مع إسرائيل، التي تريد إرباك الحكومة في دمشق وتشتيت جهودها، ليضعف موقفها أكثر في الجنوب السوري، في خضم ضغوط أميركية على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق أمني مع دمشق، وهو ما تريد إسرائيل تجنبه لاعتقادها أن مثل هذا الاتفاق سوف يكّبل حركتها في سورية، وهي لا تحتاجه أصلاً، ما دامت تسيطر بشكل كامل على الجنوب السوري.
عقبات في الطريق
وكان من المُقرّر أن تُعقد جولة من المفاوضات بين قيادة “قسد” والحكومة السورية بعد أسبوع من عودة الرئيس أحمد الشرع من واشنطن (زار واشنطن بين 8 و11 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي)، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، رغم مرور نحو أسبوعين على عودته، ما يشير إلى تأزم في الأفق بين الطرفين، يتعلق أساساً بصيغة الاندماج المقترحة لـ”قسد” في مؤسّسات الدولة الأمنية والعسكرية، مع تباين في تفسير مفهوم “اللامركزية” بين النموذج الإداري المطروح من جانب دمشق، والمفهوم السياسي الذي تطرحه “قسد”.
وخلال مشاركته في “منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط” في دهوك قبل يومين، جدّد قائد “قسد” مظلوم عبدي، الحديث عن وجود “عقبات” في طريق المحادثات بين الطرفين، مؤكداً أنه لا يمكن لسورية أن تعود إلى دولة مركزية بعد 15 عاماً من الحرب. ورغم ذلك، اعتبر أن الملفات العسكرية والأمنية شهدت تقدماً كبيراً ولم يبقَ سوى “تفاصيل أخيرة” قبل الإعلان الرسمي عنها بشكل مكتوب وخطّي موقع بين الطرفين.
ورأى الباحث الكردي جميل الحسن، أن أبرز العقبات أمام الطرفين تتمثل في انعدام الثقة بينهما وتراجع كل طرف عما يتم التوصل سابقاً إليه تحت الضغط الخارجي. وأضاف الحسن، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الحكومة السورية، بعد موافقتها على دمج “قسد” في كتلة واحدة ودمج قوات “الأسايش” (الأمن الداخلي التابع لـ”قسد”) في بنية وزارة الداخلية، عادت لترفض التعامل مع مطلب اللامركزية بسبب ضغوط تركية مورست عليها بحسب تعبيره.
جميل الحسن: الحكومة عادت لترفض مطلب اللامركزية بسبب ضغوط تركية
وحول وجود تيارات داخل “قسد” لا ترغب في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية خشية أن تفقد دورها وامتيازاتها، اعتبر الحسن أن هناك قوى قد لا تكون متحمسة للاتفاق، وهو الأمر القائم أيضاً لدى الحكومة السورية، التي يوجد فيها أيضاً قوى تفضل الحلّ العسكري مع “قسد”، وليس الحل السياسي، معتبراً أن العامل الحاسم في موقف الطرفين هو الموقف الأميركي الذي وحده يستطيع دفعهما نحو اتفاق معقول يستجيب للحدّ الأدنى من شروطهما ومطالبهما.
غير أن الباحث السياسي بسام السليمان، نفى أن تكون الحكومة السورية وافقت على إدماج “قسد” في المؤسسة العسكرية كتلةً واحدة. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه قضى بتقسيم “قسد” إلى فرق مثل بقية المجموعات المسلحة التي اندمجت بالجيش بعد سقوط النظام وتخضع لقيادته، معتبراً أن من أهم العقبات أمام التقدم في تطبيق الاتفاق بين الجانبين وجود “تيار طائفي” داخل “قسد” معادٍ للدولة السورية. وأوضح أن قادة من “حزب العمال الكردستاني” أمثال قائد الحزب، جميل باييق، والقيادي البارز مراد قره ييلا، يحاولون الاستعانة بتيارات طائفية مدعومة من فلول نظام بشار الأسد السابق، والذين انضم الآلاف منهم إلى “قسد” بعد سقوط نظام الأسد، ما عزّز هذا التيار الطائفي الذي يتصارع اليوم مع “التيار الوطني” للاستحواذ على القرار داخل “قسد”، وفق تعبيره.
- العربي الجديد






















