في حوار جرى قبل سنوات قليلة بيني وبين صديق تطرّق لموضوع قسد، قال الصديق: “في حواراتنا مع قسد ومسد لم نستطع الوصول إلى أي شيء مهم، لا في مسألة البترول ولا في مسألة الجيش ولا في مسألة توزيع المسؤوليات السياسية… دائمًا يلجؤون للتسويف”.
سألتُ الصديق عن الغاية من الحوارات والمباحثات التي كان الطرفان يدعوان إليها، فقال: “يريدون تثقيل وزنهم السياسي بعد غياب المعارضة عن أي وجود سياسي فاعل، وانشغالها – أي المعارضة – بالخلافات البينية، وانشغال المعارضين بتحصيل الرواتب والمناصب…”.
ويضيف الصديق: “على مدى سنوات أجرينا أكثر من ستة أو سبعة لقاءات ومؤتمرات وورشات عمل… ودائمًا كنا نسمع منهم التسويف والمماطلة…”.
لعبة الوقت
لقد كسبت قسد ومسد الوقت؛ فهو ضروري بالنسبة لهما إلى أنْ تصل المسألة السورية إلى خواتيمها، وانتظارًا لإنضاج الأطراف الدولية والإقليمية لحلّ يرضي الجميع قدر الإمكان – وليس الشعب السوري طرفًا وُضِع له أي حساب – ما يعني أن قسد ليست جزءًا أصيلًا من الشعب السوري، إنما هي فريق تابع لجهة أو أكثر إقليمية ودولية.
وينطبق الأمر ذاته على جزء ليس بالقليل من المعارضة السورية للأسف، إذ إن تدخلات مباشرة لسفراء عرب وأجانب، وتدخلات غير مباشرة لهم عبر شخصيات أمنية عربية أو من خلال معارضين سوريين تابعين لهذا البلد أو ذاك، منعت المعارضة السياسية السورية من تحوّلها إلى مؤسسة وطنية جامعة تملك برنامجًا وحضورًا وخطابًا سياسيًا وإعلاميًا وتعبّر عن الشعب السوري المنتفض.
كسب الوقت لعبة قسد المحبّبة، وهي لعبة لطالما استخدمها حافظ الأسد. لكن بالمقابل، فالساعة التركية تسير ببطء شديد لكن توقيتها مضمون النتائج؛ إذ لا تستوي في القوة والنفوذ دولةٌ وفصيل، مهما كان هذا الفصيل قويًا ومدعومًا دوليًا. وهو ما يمكن قوله عن فصائل في المنطقة تظن أنها قوية كما لو أنها دول. ولو صحّ هذا الأمر لتحوّل الشرق الأوسط إلى دويلات وشبه دويلات عرقية ثقافية مذهبية، ولو نجح هذا النموذج لانتقل إلى أوروبا الجنوبية من اليونان إلى إسبانيا… ومنها إلى كلّ العالم.
لقد استغلت قسد ظاهرة تسريح آلاف العسكريين والأمنيين في الساحل السوري وظروفهم الاجتماعية والمعيشية التي قاربت حالة المجاعة، ففتحت لهم مجال الانتساب إلى صفوفها..
في مسألة الاندماج في الجيش السوري
يصرّ جناح قنديل في قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على الاندماج في الجيش السوري ككتلة واحدة أو على شكل كتل كبيرة. ولو حدث ذلك ستضمن قسد الهيمنة على الجيش، باعتبار أن تعداد الجيش السوري الحالي لا يتجاوز بضعة آلاف بعد حلّ جيش النظام. ولا يُستبعد أن تثير الوضعية الحالية للجيش السوري شهية ضباط من قسد للقيام بانقلاب عسكري من داخل الجيش – لو تمّ لقسد ما تطلبه – وقد يكون إصرار جناح قنديل ضمن قسد على الانضمام ككتلة ينسجم مع رؤية بقايا النظام السابق وقوى أخرى، لا يُستبعد أن تكون من ضمنها أميركا وإيران وإسرائيل؟!!
وبذلك نعود إلى المربع الأول وإلى الوضعية الصفرية التي طالما عانت منها سورية، أي الديكتاتورية العسكرية.
ولذلك، وتجنبًا لأيّة مخاطر جدية تأتي من الجيش، ولإبقاء الجيش بعيدًا عن السياسة، يجب اشتراط أن يكون المنتسبون إلى الجيش السوري غير منتمين إلى أي حزب سياسي، ولا يتبنون أي أيديولوجية سياسية من قبيل ما يتبناه جزء من عناصر قسد أو سواهم.
لقد استغلت قسد ظاهرة تسريح آلاف العسكريين والأمنيين في الساحل السوري وظروفهم الاجتماعية والمعيشية التي قاربت حالة المجاعة، ففتحت لهم مجال الانتساب إلى صفوفها، وقد بلغ عدد المنضمين من العسكريين المسرّحين في الساحل إلى قسد أربعة آلاف وخمسمئة عنصر بحسب مصادر إعلامية؟!!
وهنا نتساءل: هل كان تسريح ما تبقّى من الجيش السوري إجراءً مفيدًا ومصيبًا؟ وهل تنتهز الحكومة والعهد الجديد الفرصة لقطع الطريق أمام الجنرال مظلوم عبدي وقسد، وأمام جنرال الجوع، فتعيد الموظفين والعسكريين الذين لم يثبت تورطهم بالدم ولم يُعرَف عنهم اللصوصية إلى وظائفهم؟ أو على الأقل، هل تساعدهم اجتماعيًا بمعونة بطالة شهرية مالية وعينية تقيهم ذلّ السؤال والجوع والمرض، وتقطع الطريق على قوى داخلية وإقليمية لتحشيدهم أو تنظيمهم ضد العهد الجديد وضد الشعب السوري؟
إن تأخر العهد الجديد في حلّ مسألة قسد رفع أسهمها السياسية، فنجحت في تكوين استطالات ولائية في جنوبي البلاد وغربيها.
3
لولا قسد، لما كان للهجري ولا لغزال غزال – المقيم في مناطق قسد كما أعتقد – ولا لأتباعه أن يعلنوا العصيان ويطالبوا باللامركزية السياسية. وقد تكشفت هذه الحقيقة قبل بضعة أيام بعدما خرج مظلوم عبدي داعيًا لإشراك ممثلين عن العلويين والدروز في أي حوار مع العهد الجديد. وتبعه الشيخ غزال غزال ببيان يدعو فيه إلى التظاهر في الساحل والمطالبة باللامركزية السياسية، مستغلًا جريمة زيدل في حمص التي وقع ضحيتها إمام جامع وزوجته من قبيلة بني خالد.
وقد ظهر كما لو أن الشيخ غزال ليس سوى ناطق سياسي طائفي باسم قسد ومظلوم عبدي… وبالفعل، فقد هتف عدد قليل جدًا من المتظاهرين مطالبين بالفيدرالية واللامركزية، بينما هتف كثيرون هتافات من قبيل “يا علي” و”الدم العلوي واحد”… إلخ، رغم أن كثيرين خرجوا للمطالبة بمطالب محقّة أهمها إعادة المفصولين من أعمالهم إلى أعمالهم، وإيقاف الخطف، والمطالبة بالأمن…
4
سؤال يجول في خاطري منذ وقت طويل بخصوص تنظيم قسد أو القوات التابعة للـ”باي واي دي” وحزب العمال: لماذا لا تنشقّ العناصر العربية عن قوات قسد، طالما أن البلدات العربية في الجزيرة طالما تعرّضت لاعتداءات قسد، وسُجلت حوادث خطف لأطفال عرب – وكرد طبعًا – لتجنيدهم في صفوف الشبيبة الثورية؟
ما المانع من انشقاق قسم كبير من أبناء عشائر الجزيرة، طالما أنهم ضمنيًا على الضد من المشروع السياسي لقسد، وعلى الضد من المشروع الأيديولوجي لحزب العمال؟
5
أخيرًا، إن تأخر العهد الجديد في حلّ مسألة قسد رفع أسهمها السياسية، فنجحت في تكوين استطالات ولائية في جنوبي البلاد وغربيها، ونجحت – وهو الأخطر – في دعم الشيخين الهجري وغزال غزال لاستخدامهما سياسيًا وإعلاميًا خدمةً لمشروعها السياسي والانفصالي – مستخدمةً لذلك بدعتي الفيدرالية واللامركزية السياسية – الذي يهدد استقلال سوريا ووحدة السوريين.
والآن، حتى لو تم حلّ ملف قسد لصالح الشعب السوري والدولة السورية الواحدة، فإن قسد نجحت في إشعال حريق طائفي مناطقي ربما تستمر تداعياته لسنوات.
- تلفزيون سوريا























