البلد غير مريح، ومكابرٌ كل مَن يعتقد غير ذلك، لا يكاد يمر يوم إلا ويندلع فيه (شجار سياسي) تُستخدم فيه كل أسلحة (النعوت والصِفات) من العيار الثقيل، والخطير في هذا (الشجار) أنه لا يجري بين سياسيّي الصف الثاني، إذا صحَّ التعبير، بل بين المرجعيات، السياسية منها والروحية.
فالبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وهو أعلى مرجعية مارونية في لبنان يقول:
العدالة عدالة، ومن شأنها أن تقتص من المجرمين، وإذا كانت المحكمة عادلة فيجب أن تقوم بعملها. ويُسأل البطريرك:
ولو كان الثمن عودة العنف؟
يُجيب:
مهما كان الثمن يجب أن تقوم بعملها.
ورئيس الحكومة سعد الحريري، وهو اليوم أعلى مرجعية سنية في البلد، يقول:
سنتصدى لمحاولات إجهاض المحكمة، وأي مسّ بالأمن سيُواجَه بيدٍ من حديد.
وحتى الملفات الأخرى مختلَف عليها، فالعماد عون يعتبر أن رفض النسبية في الإنتخابات البلدية هو نوع من أنواع الديكتاتورية.
في المقابل يُحذِّر الوزير السابق وئام وهاب من أن أي تسييس للمحكمة سيُحوِّل قوات الطوارىء الدولية في الجنوب إلى (علبة بريد).
إذاً كل العناوين الكبرى في البلد مختلف عليها:
من إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية إلى التعيينات الإدارية والأمنية إلى الإستراتيجية الدفاعية إلى المحكمة الدولية إلى الموازنة العامة، ويصعب إيجاد عنوان واحد يحظى بإجماع، أو على الأقل بتوافق، كأن لا شيء يجمع اللبنانيين.
يدعو وزير الداخلية الهيئات الناخبة الى إجراء الإنتخابات في موعدها بدءاً من الثاني من أيار المقبل، لكن لا أحد مصدِّقاً أن هذه الإنتخابات ستجرى في موعدها، فوق الطاولة وفي العلن الجميع مع هذه الإنتخابات ومع إحترام المواعيد الدستورية لها، وتحت الطاولة ووراء الأبواب الموصدة، لا أحد يريد هذه الإنتخابات، على الأقل في موعدها بعد شهر.
الجميع يريد الإصلاحات وتعيين الكفايات والرجل المناسب في المكان المناسب، هذا في العلن أما في الكواليس فالمحاصصة مزدهرة على قدمٍ وساق على طريقة (أَعطني لأُعطيك، ومَرِّر لي لأُمرِّر لك).
الجميع يريد موازنة فيها نسبة مقبولة من الأموال للإستثمارات لكن لا أحد يسأل نفسه:
(ومن أين نأتي بالمال)؟
الملفات مرشحة للتفاقم، العهد يواجه صعوبات جَمّة، الحكومة تواجه عراقيل، حتى الآن لم يفتح ملف وأكمل، مجلس النواب ينتظر (القرار السياسي) للأقطاب، والأقطاب منقسمون ولا يُجمعون أو يتفقون على شيء.
هل من أحدٍ في السلطة، سواء على المستوى الرئاسي أو الحكومي أو النيابي قادر على الإجابة عن أسئلة المواطنين وأبرزها:
إلى أين نسير؟
إنه السؤال الأبرز لا بل إنه (اللغز الأكبر).
حين تكون السياسة تدور في حلقة مفرغة، يُصبح الإعلام يدور في حلقة مفرغة، المتعارف عليه في إدارة البلاد أن يُطرح ملف ويتداوله السياسيون ويُعطي الإعلام رأيه فيه ويشرحه للرأي العام ثم يُصار إلى الإنتقال إلى ملف آخر، لكن الذي يجري في لبنان أن الملفات كلها تُفتح في وقتٍ واحد وتصل إلى حائط مسدود في وقت واحد، يجري تعليقها من دون معالجتها، ثم تُفتح من جديد وتتعثر من جديد، وتشخيص هذه الحالة لا يوجد توصيفٌ له سوى (الدوامة).
الانوار




















