كانت ولا تزال العلاقة بين الجارين الشقيقين سوريا ولبنان تثبت أنها لا تقبل المساومة أو القفز عليها، حيث يعد أحدهما الرئة التي يتنفس منها الآخر، وقد ظل منطق التاريخ والجغرافيا والعقل يفرض هذه الحقيقة رغم كل المحاولات التي حاولت أن تفت في عضد هذه العلاقة المميزة.
وقد أكدت الزيارة التي قام بها النائب اللبناني وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي إلى دمشق التي فتحت صفحة جديدة معه بعد سنوات من القطيعة أن منطق الأشياء يفرض نفسه، وإذا ما حصل هناك تباين في وجهات النظر واختلاف في الآراء والمواقف فرضته طبيعة المتغيرات ومؤثرات قوية من الصعب التغلب عليها ومقاومتها.
فإن ذلك ما هو إلا سحابة صيف عابرة سرعان ما تنقشع كاشفة عن صفاء الأجواء، وعودة المياه إلى مجاريها، حيث كان اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد والنائب وليد جنبلاط، منطلقًا جديدًا وأرسى أرضًا يمكن البناء عليها جسورًا من الثقة والتواصل بين الأشقاء السوريين واللبنانيين.
وذلك لما تناوله اللقاء من مواضيع على جانب كبير من الحيوية واستعراض الروابط الأخوية والتاريخية التي تجمع سوريا ولبنان وأهمية تعزيز العلاقات بين البلدين بما يمكنهما من مواجهة التحديات المشتركة وخدمة مصالح الشعبين وقضايا العرب الجوهرية. ومن المؤكد أن لقاءات المسؤولين اللبنانيين والسوريين هي صمام أمان لعلاقات البلدين وتفتح مجالات أرحب للتعاون بينهما، كما أنها تلعب دورًا مهمًّا في صد محاولات النيل من هذه العلاقة وفك الارتباط بين الجارين.
وصولًا إلى فصل المسارين السوري واللبناني ليتسنى لأصحاب مشاريع التقسيم وذوي الأطماع الاستفراد بهما الواحد تلو الآخر، والحقيقة أن سوريا وبعض القيادات اللبنانية أثبتت حنكة سياسية وقدرة عالية على التعامل مع كل عوامل الزعزعة والتهديد والوعيد والتحريض، فكان جانب المصلحة الوطنية والقومية حاضرًا وحافزًا للصمود.
ولا شك أن التقارب السوري اللبناني يثير حفيظة وحنق أعداء البلدين وأعداء العرب بالنظر لما يشكله هذا التقارب والتفاهم من خطر على المشاريع المعادية للقضايا العربية، ولذلك فإننا صرنا نشهد عمليات التشويش والتشكيك للتأثير على حالات التقارب والتطور الملحوظ في العلاقات السورية ـ اللبنانية، تارة عبر التسريبات الإعلامية المغرضة وخاصة فيما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بأن المحكمة قامت باستجواب عناصر من حزب الله، في محاولة للتأثير على سير عمل المحكمة والإيقاع بين حزب الله الذي يمثل الذراع الأساسية للمقاومة اللبنانية وبين سعد الحريري الذي يرأس الحكومة الحالية.
وذلك بهدف شق الصف حتى يسهل من خلال ذلك اصطياد رموز المقاومة اللبنانية ونزع سلاحها على اعتبار أنه غير شرعي، وتارة أخرى عبر الإيحاء من قبل أطراف لبنانية، يوجعها هذا التقارب، بوجود خطط إسرائيلية لشن عدوان غاشم على لبنان الهدف منه القضاء على المقاومة.
ما يعني أن فك الارتباط بين سوريا ولبنان وإيصال العلاقات بينهما إلى أسوأ حالاتها وتوتيرها لن يتوقف، لأن المطلوب القضاء على كل نَفَس مقاوم ومصادرة كل قطعة سلاح، وإغلاق بوابة التفاهم الأخوي بين اللبنانيين والسوريين.
ولا شك أن هذا الهاجس كان حاضرًا بقوة في لقاء الرئيس الأسد والنائب وليد جنبلاط، ولذلك جاء تأكيدهما على أهمية دور المقاومة لما تمثله من ضمانة في وجه المخططات التي تقودها إسرائيل والتي تستهدف المنطقة العربية برمتها.
إن لقاءات الرئيس السوري مع النائب اللبناني وليد جنبلاط وقبله مع رئيس الحكومة سعد الحريري وميشال عون زعيم التيار الوطني الحر إضافة إلى القمة التي جمعت الرئيسين السوري واللبناني ـ بلا شك ـ ستفتح آفاقًا أرحب في التعاون القائم بين سوريا ولبنان وتمثل لبنة لإعادة الثقة والروابط التاريخية في مسارها الصحيح، مما يعزز من صمود البلدين في وجه المؤامرات التي تحاك ضدهما، ويضاعف من قوة المقاومة لردع إسرائيل وعملائها.
الوطن




















