غسان شربل
أشعر بارتياح كبير. وبقدر عالٍ من الطمأنينة. ليس في الأخبار ما يكدر. او يثير القلق. الأمن مستتب. والقرار في أيدٍ أمينة. لن ينجح العدو في التسلل. العيون الساهرة له بالمرصاد. ولن تستطيع الامبريالية تعكير العرس الوطني المنتظر. كل الأبواب مقفلة في وجهها. وستذوق الأمرّين إن حاولت. الشعب ينتظر الأخبار السعيدة على أحر من الجمر. فور تلقيها سيقذف مقر الحزب الحاكم ببرقيات المبايعة والتأييد. سيخرج الناس الى الشوارع وسيموتون من شدة الرقص والبهجة. بلاد آمنة وسعيدة في آن.
أشعر بارتياح شديد. تغمرني موجة من التفاؤل غير مسبوقة. إيماني بالمستقبل الباهر لا يتزعزع. ستكون فرصة ذهبية لأشمت باليائسين. بتلك الأصوات التي تنعق كالغربان وتزعم أننا في عالم ظالم ومتوحش. ها نحن نبصر أمة تصنع مستقبلها بيدها. صناعة محلية لا تسممها رياح الديموقراطية وتخرصات الغرب الفاسد. أحسد الشعب القاطن هناك. ومن أسعفه الحظ في الولادة على تلك الأرض الطيبة.
لا ينال من صورة تلك البلاد ان معظم الشعب يعاني سوء التغذية. لعلها حكمة القائد أن يعاني الشعب ذلك ليتمكن لاحقاً من التلذذ في حال توافر الغذاء. ولربما استند القائد الى دراسات فذة مفادها ان سوء التغذية أفضل من الإفراط الذي يؤدي الى أمراض التخمة والبدانة والسكري والبطر. ثم ان المعاناة مفيدة للمواطن. تدفعه الى الاختلاء بنفسه. تطهره من أمراض البحبوحة والجشع. وتبعده تماماً عن الانزلاق الى النشاطات الهدامة من نوع الحديث عن الحرية وحقوق الانسان وندرة السلع في المتاجر. ان سوء التغذية مفيد في ترشيق الشعب. وفي جعل المواطن لا يطالب بأكثر من اسكات الجوع الذي يدهمه مع أطفاله.
الأخبار مطمئنة ولذيذة. تستعد كوريا الشمالية لجمع أبرز قادة حزبها الحاكم للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً. المعلومات الأولية تفيد بأن الاجتماع سيكون «تاريخياً». وانه سيمهد لانتقال المشعل. وسيشهد بداية صعود كيم جونغ اون (27 سنة) أصغر ابناء الزعيم الكوري المحبوب كيم جونغ ايل وحفيد مخترع البلاد ومؤسسها وبانيها وصانع نهضتها كيم ايل سونغ. وكالة الأنباء الرسمية أكدت ان الاجتماع سيكون «تاريخياً» لكنها لم تشر الى موضوع الخلافة. ربما كي لا تفسد بهجة المفاجأة التي سينعم بها المواطنون حين يضيء النجم الجديد سماء بلادهم.
الانتقال لن يكون صاعقاً. لا بد من تنظيم انتقال سلس. ولا بد من التأكد من ان الزعيم الجديد قادر على ادارة بلد يعتاش اقتصاده المنهار من انتاج الصواريخ ولعبة الابتزاز النووي. ولا بد من إتاحة بعض الوقت للمستشارين والمطبخ الدعائي. فالزعيم هناك يجب ان يكون عبقرياً في فنون الحرب وعبقرياً في شجون الاقتصاد ويجب ان يكون ايضاً الاول في الفيزياء والكيمياء والشعر والنثر.
أحسد من وُلد هناك بعيداً من بلاد الأرز و «ثورة الأرز». بعيداً من فخر الدين وجبران خليل جبران والاخوين رحباني. أحسدهم. كيم جونغ ايل ليس زعيماً وفاقياً. يستطيع اختيار وجبة العشاء من دون إجراء حوار وطني. وغسيل برلمانهم ليس منشوراً على الفضائيات. وحكومتهم لا تشبه برج بابل. وقضاؤهم ليس مستسلماً للقدر. وجيشهم ليس وفاقياً ينتج رؤساء للجمهورية ولا ينتج أمناً لمواطنيها.
أحسدهم. ليست لديهم سلسلة طويلة من الشهداء يعتبر السؤال عن هوية قاتلهم جريمة تهدد السلم الأهلي. ليس لديهم ملف متفجر اسمه الحقيقة. وليست لديهم محكمة دولية يقال ان قرارها الظني سيشعل حريقاً يأكل الاخضر واليابس. ليس لديهم نائب يطالب مسؤولاً رفيعاً بالدفاع عن كرامة المذهب. وليس لديهم نائب يهدد نصف الشعب على الأقل. ليست لديهم حرب أهلية جاهزة للوقوع. ولا فتنة مذهبية تنتشر كالنار في الهشيم. ولا تصريحات وعراضات من النوع الذي يسرع العرقنة.
أعرف ان مهمة كيم جونغ اون لن تكون سهلة. هناك مشكلة العزلة الدولية. لا نستطيع ان نساعده فقد نتجه اليها. وفي محاربة التدهور الاقتصادي والفقر لا يستطيع الاعتماد علينا فبؤسنا مرشح للازدياد. أعرف ان لديه مشكلة حادة في التيار الكهربائي. الحل ان نعيره «وزير الظلام» فقد دفع البلد ثمناً باهظاً لتأمين صعوده.




















