واشنطن – من هشام ملحم:
يتوجه اكثر من مئة مليون اميركي غداً الى مراكز الاقتراع لحسم ما يمكن بحق وصفه بـ"السباق المذهل" الى البيت الابيض، بعد احدى اطول الحملات الانتخابية في تاريخ الولايات المتحدة وأكثرها اثارة وكلفة وغرابة وفرادة، لانتخاب اما المرشح الديموقراطي باراك أوباما أول رئيس شاب (47 سنة) من اصل افريقي، واما المرشح الجمهوري جون ماكين اكبر مرشح سناً (72 سنة)، لخلافة الرئيس جورج بوش الذي يعتبره كثير من المؤرخين الرئيس الاسوأ في تاريخ اميركا، او الثاني الأسوأ بعد جيمس بيوكانون الذي ساهم في زج البلاد في حرب اهلية رهيبة عام 1861.
وتميزت الحملة باهتمام وحماسة شعبية غير معهودين في الدورات الانتخابية الاخيرة، ربما لأن اكثر من 85 في المئة من الاميركيين قلقون لاقتناعهم بان البلاد تسير في الطريق الخطأ وهي تعاني ازمة مالية – اقتصادية خانقة وحربين مكلفتين، الامر الذي يفسر توقعات بعض الخبراء ان تزيد نسبة المقترعين على 60 في المئة، وهو مستوى لم تعهده البلاد منذ اكثر من 40 سنة.
ويتوقع الديموقراطيون توسيع غالبيتهم البسيطة في مجلس الشيوخ، من 51 الآن، الى ما بين 55 و57 من اصل مئة، والاقتراب من الرقم السحري اي غالبية من 60 عضوا، الامر الذي يسمح لهم بتمرير مشاريع القوانين وتحييد الاساليب البرلمانية التي تسمح للاقلية بتعطيلها. وكانت المرة الاخيرة التي حقق فيها الديموقراطيون مثل هذا الانجاز لــ(60 عضوا) عقب فضيحة ووترغيت عام 1974. كذلك يتوقع الديموقراطيون ان يوسعوا غالبيتهم الراهنة في مجلس النواب من 235 (من اصل 425 عضوا) ويزيدوا عليها نحو 25 عضوا جديدا.
الا ان الاجواء الجدية وحتى القاتمة التي تخيم على السباق وخصوصا في أوساط الجمهوريين، لم تمنع الجميع من الاستمتاع ببعض التطورات الطريفة والظريفة، ومنها مشاهدة ماكين في اسكتش تلفزيوني وهو يبيع المجوهرات الغالية مع زوجته، او ان يتحسر لانه بالفعل جمهوري فريد من نوعه، "اي جمهوري فقير" غير قادر على موازنة منافسه اوباما في الانفاق على الدعايات التلفزيونية.
بايلين ضحية مقلب
وقد وفرت المرشحة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري سارة بايلين مادة دسمة للفكاهيين، عندما تحولت ضحية لفكاهي كندي ادعى خلال مكالمة هاتفية معها انه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ولم تدرك بايلين خلال ست دقائق ان المكالمة هي مزحة، على رغم ان الفكاهي لمح الى انه يمزح معها وكان يوجه اليها بلكنة فرنسية مبالغ فيها اسئلة غريبة وظريفة، من نوع انه يريد ان يصطاد معها، وانه يستمتع بقتل الحيوانات، وانه لا يريد ان يشاركهما نائب الرئيس ديك تشيني في الصيد، لانه كاد يقتل شريكا له خلال رحلة صيد في 2006. وطمأنته بايلين ضاحكة: "سوف أطلق النار بحذر". وحين قال لها انها ستكون رئيسة جيدة، اجابت ضاحكة: "ربما بعد ثماني سنوات". وعندما اقترح عليها الفكاهي رحلة صيد في طائرة مروحية، اجابت بيلين: "اعتقد اننا سنستمتع معا كثيرا بذلك ونحن نقوم بعملنا خلال الصيد. ونستطيع ان نقتل عصفورين بحجر". واثنت على ساركوزي خلال المكالمة، وقالت: "أتطلع الى العمل معك ولقائك شخصيا انت وزوجتك الجميلة"، في اشارة الى العارضة كارلا بروني. واجابها "ساركوزي الفكاهي" ان زوجته "حامية في الفراش" وانها كتبت اغنية لبايلين عن "جو السباك" بعنوان Du rouge a levres sur une cochonne أي "أحمر شفاه على خنزيرة" وهي عبارة استخدمتها في خطابها في مؤتمر الحزب الجمهوري. وسألها الفكاهي هل "جو السباك" زوجها، مضيفا ان في فرنسا شخصية مماثلة للسباك جو تعرف باسم مرسيل الشاب الذي يحمل الخبز تحت ابطه. وأشار الى انه أعجب بما وصفه بشريط "وثائقي" اباحي عنها مثلت فيه أمرأة تشبه بايلين، وردت بايلين بارتباك: "آه، جيد، شكرا.." وبعدما كشف الفكاهي ان المكالمة مزحة، قالت بايلين لمساعديها: "لقد خدعنا".
وحاولت ناطقة باسم حملتها احتواء المزحة المحرجة بمزحة اخرى وقالت ان بايلين استهدفت كما استهدف غيرها من الشخصيات العالمية، استمتعت بالمكالمة، واضافت الناطقة: C’est la vie.
لا أثر لبوش
وبينما لا أثر للرئيس بوش في الحملة الى جانب المرشح الجمهوري، الذي لا يريد ان يذكّر الناخبين بانهما ينتميان الى الحزب ذاته، تلقى ماكين قبل يومين دعما من الجمهوري الاخر الذي لا يريد ان يشاركه في الكوكب ذاته، أي نائب الرئيس ديك تشيني الذي حوله الديموقراطيون الرمز الذي يجسد كل ما هو خاطئ ومنفّر في الحزب الجمهوري. وقال تشيني انه سعيد جدا بدعم ماكين، ونائبته بايلين ذات "الموهبة التنفيذية".
وسخرت حملة اوباما من هذا التأييد واستخدمته في اعلان تلفزيوني. وقال اوباما: "أريد ان اهنئ السناتور ماكين بهذا التأييد لانه فعلاً يستحقه…" وذكّر الناخبين بان ماكين دعم سياسات بوش – تشيني بنسبة 90 في المئة. وقبلها سخر اوباما من ماكين، قائلا إنه خلال عيد "البربارة" يتنكر الصغار وبعض الكبار بأزياء غريبة ومضحكة او مخيفة، بينما يتنكر ماكين هذه الايام بقناع جورج بوش.
وقبل يومين من الانتخابات، اظهرت استطلاعات الرأي ان أوباما لا يزال متقدما ماكين، وان تكن المسافة بينهما قد بدأت بالتقلص كما هو متوقع قبل موعد التصويت، ويعتقد ان اتهامات ماكين لاوباما بانه سيزيد من الضرائب على الاميركيين، بمن فيهم افراد الطبقة الوسطى، وهو ما ينفيه اوباما، ربما ساهمت في تحسين وضعه بعض الشيء. لكن أكثر استطلاعات الرأي على المستوى الوطني لا تزال تظهر ان امام ماكين طريقا طويلا كي يلحق باوباما. ويتبين من 159 استطلاعا للرأي اجريت خلال الاسابيع الستة االاخيرة على الصعيد الوطني ان اوباما ظل متقدما فيها جميعا.
وفي آخر استطلاع لصحيفة "الواشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي ان" الاميركية للتلفزيون ان اوباما متقدم بنسبة 53 في المئة على ماكين الذي يحظى بدعم 44 في المئة من الاميركيين. وتبين الاستطلاعات ان اوباما متقدم في كل الولايات التي فاز فيها المرشح الجمهوري جون كيري في انتخابات 2004 (حين حصل على 252 صوتا في المجمع الانتخابي أي 18 صوتا اقل من الغالبية البسيطة الضرورية للفوز أي 270 صوتا). لكن اوباما متقدم بدرجات متفاوتة في خمس ولايات فاز فيها الرئيس بوش في 2004 وهي آيوا ونيو مكسيكو وفيرجينيا وكولورادو ونيفادا. واذا فاز في كل هذه الولايات فانه سيحصل على 291 صوتا في المجمع الانتخابي. لكن الاستطلاعات الاهم التي تجري في الولايات المتأرجحة، لا تزال ترسم صورة قاتمة لاحتمالات فوز ماكين، اذ يتبين ان اوباما اما متقدم وإما متعادل وإما متخلف بنسبة ضئيلة في اوهايو وفلوريدا وميسوري وكارولينا الشمالية وانديانا ومونتانا التي فاز فيها بوش في الانتخابات السابقة.
والسبت والاحد قام المرشحان بنشاطات انتخابية على مدار الساعة في ولايات فاز في معظمها الرئيس بوش في 2004، في مؤشر آخر لمواصلة اوباما محاولاته تحقيق اختراقات كبيرة في الاراضي التي كانت أخيرا محسوبة على الجمهوريين، ومنها كولورادو وميسوري ونيفادا واوهايو وفلوريدا وفيرجينيا. والاستثناء الوحيد هو ولاية بنسلفانيا التي فاز فيها المرشح الديموقراطي في 2004، لان حملة ماكين تدرك انه لا يمكن ان يصل الى البيت الابيض إلا من طريق بنسلفانيا، بينما تشمل خطط اوباما للوصول الى البيت الابيض من أكثر من طريق.
والى استطلاعات الرأي، حملت مؤشرات اخرى مثل التصويت المبكر انباء سيئة لحملة ماكين، اذ تبين من 30 ولاية ان نحو 27 مليون ناخب قد ادلوا باصواتهم حتى الان، وان غالبيتهم من الديموقراطيين.
وقال المسؤولون في ولاية كارولينا الشمالية إن مليونين و300 الف ناخب ادلوا باصواتهم وان الديموقراطيين بينهم وصلوا الى52 في المئة والجمهوريين الى 30 في المئة. وفي ولاية كولورادو التي تميل الى اوباما صوت 46 في المئة من الناخبين.
قبل 48 ساعة من ساعة الحسم، تبدو غالبية الولايات على الخريطة الانتخابية مدهونة بالارزق (الديموقراطي) او البنفسجي، أي اللون الذي يسبق التحول الى اللون الازرق، بينما تضيق رقعة الاحمر (الجمهوري) على خلفية محاولات شبه يائسة من حملة ماكين لوقف ما يبدو مع مرور كل ساعة كأنه هزيمة شبه حتمية.
"النهار"