(المستقبل -)
بعد لقائها رئيس جمهورية جنوب أفريقيا "يعقوب تسوما" في مدينة "دربين" في 8/8/09 أكدت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميريكية ان الهدف المشترك لتعاون البلدين هو " قارة أفريقية يسودها السلام والتقدم والرفاهية".
وفي خطابه أمام أعضاء برلمان غانا في قصر المؤتمرات وسط العاصمة أكرا في 12 تموز المنصرم شدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على ضرورة تخطي التعصب القبلي والتفرقة الاثنية " والتي من غير الجائز أن تستمر فاعلة في مجرى تطور أفريقيا القرن الواحد والعشرين … ". وأدان الحروب الأهلية التي تستنزف القارة وكذلك الرشوة والفساد المستشريين في أغلب دولها: "فلا مجال لأية دولة أن تبني مجتمع الرفاه مادام قادتها يستغلون اقتصاد بلادهم لزيادة ثرواتهم الخاصة …". وخلص الى التأكيد على أهمية تحويل التعدد الاثني الى مصدر لإغناء وتطوير أفريقيا بدلا من أن يكون مبررا لشرذمتها وافقارها. واذ شدد على أولوية مكافحة الفساد الاداري والرشوة ناشد شبيبة القارة النامية أن تعمل لانتزاع المبادرة من أجل الاصلاح: "نعم انكم تستطيعون" كانت ختام كلمته التي شدد فيها على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في بناء "سياسة الشراكة مع أفريقيا".
ساحل الذهب.. ساحل النفط
إن زيادة اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأفريقيا عامة وغانا خاصة يعود الى عهد جورج بوش الابن الذي رفعها الى مصاف الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية عام 2003 عبر اعلانه عن تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على تأمين 25% من احتياجاتها النفطية من دول جنوب الصحراء. وفي عام 2007 أعلن جورج بوش الابن عن اقامة "مركز لقيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (Afrikom-)"وهوالامر الذي رفضته كافة دول القارة باستثناء ليبيريا مما أجبر البنتاغون على ابقاء مركز القيادة أفريكوم في مدينة شتوتغارت في المانيا غداة الاعلان عن تشكيلها في 1/10/2007 .ومن الجدير بالذكر هنا أن زيادة المعونات الأمريكية للتنمية في أفريقيا من 5 مليار عام 2004 الى 8 مليار عام 2008 لم تؤد الى زيادة الدعم لأكثر الدول فقرا في القارة بل وجهت بشكل رئيسي الى الحلفاء العسكريين للولايات المتحدة مثل أثيوبيا، كينيا، نيجيريا، السودان وجنوب أفريقيا. ومع تأسيس أفريكوم بات
البنتاغون يشرف على 20% من مجموع المساعدات الأمريكية للتنمية في أفريقيا.
ودولة غانا على الشاطئ الغربي لأفريقيا اشتهرت حتى استقلالها باسم ساحل الذهب لما تنتجه من ذهب منذ أيام الاستعمار الانكليزي، ومنذ اكتشاف النفط أمام سواحلها عام 2007، باتت محط اهتمام شركات النفط العالمية لما تختزنه من احتياط قدر بعشرة مليار برميل (نيسان 2009)، الأمر الذي عزز موقعها
الاستراتيجي على شاطئ الأطلسي من أفريقيا المليء بالبترول من "غينيا- بيساو" في الشمال وحتى أنغولا وناميبيا في الجنوب.
وغانا اليوم هي واحدة من أهم شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا جنوب الصحراء، وخصها جورج بوش الابن عام 2008 بزيارة مستفيضة وأكرمته حكومتها بأن أطلقت اسمه على إحدى أتوسترادات العاصمة أكرا.
التنمية في خدمة الشراكة؟!
عشية زيارته القصيرة الى غانا لم يخف الرئيس الأمريكي أوباما اعجابه بتجربتها السياسية ونظامها البرلماني والتبادل السلمي للسلطة فيها على مدى عقدين ونيف من الزمن، واعتبر ذلك مقدمات ضرورية لنجاح سياسات التنمية وبناء مجتمعات الرفاه وسيادة السلام في أفريقيا والبلدان النامية عموما.
وأكد في خطابه المذكور آنفاً على أهمية المساعدات التي أعلن عنها في ختام مؤتمر "مجموعة الثمانية" في" أكويلا" ايطاليا عشية زيارته الى غانا والتي ستبلغ بمجموعها عشرين مليار دولار تخصص للتنمية الزراعية في البلدان النامية، ومنها أفريقيا، حيث يعيش 80% من السكان في الأرياف التي لا تنتج ما تحتاجه من غذاء يكفي للقضاء على المجاعة التي تطال اليوم مليار انسان في العالم.
وإذ انتقد أوباما التبادل التجاري غير المتكافئ " بين الشمال والجنوب " لما يلحقه من أضرار في جهود التنمية للبلدان الفقيرة، فهو بذلك عبر عن الآمال التي أنعشها انتخابه في هذه البلدان وهو "ابن أفريقيا" كما أطلقت عليه المجاميع الغفيرة من الشباب الأفريقي عند استقبالها له.
لقد دفعت أفريقيا أثمانا باهظة في خدمة النمو الاقتصادي الأوروبي ولقرون طويلة، وهي بالاضافة لذلك ترزح اليوم تحت ثقل تبعات تغيير البيئة من تصحر وارتفاع درجة الحرارة الأمر الذي تسببت به الدول الصناعية في أوروبا خاصة.
ويفتك الفقر والجوع والأمراض وخاصة السيدا بالملايين من أبناء أفريقيا، القارة الشابة التي تشير الدراسة الصادرة مؤخراً عن الأمم المتحدة لمناسبة يوم السكان العالمي (11/ 07/ 09) الى أنها سوف تتصدر معدل النمو وتضاعف عدد سكانها الى ملياري انسان من أصل 9 مليار مجموع سكان العالم حتى عام 2050.
وفي ختام زيارته الى أفريقيا لم ينس باراك أوباما أن يزور مرفأ "الميناء" وهو عبارة عن حصن منيع على مقربة من مدينة "كيب كوست" في غانا على الشاطئ الأطلسي، وفيها كانت تحشد تحت أقسى الشروط الآلاف من أبناء أفريقيا اليافعين لشحنهم رقيقاً الى الشاطئ الآخر من الأطلسي الى القارة الأمريكية.
() كاتب لبناني مقيم في برلين




















