مسارعة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى وصف خطة بايدن بشأن الحرب في غزة بأنها “واضحة، واقعية وعادلة”، تشير، من بين أمور أخرى، إلى أن الخطة هي جزء من الحملة الإنتخابية الرئاسية. وليس في ذلك ما هو غير طبيعي ومنطقي، ولا يقلل من أهمية كون الخطة تأكيداً على إلتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وحماية وجودها بوجه أي تهديد، حتى حين لا تقدر السلطات الإسرائيلية مدى جدية الخطر كما يعتقد الأميركيون. ولضمان عدم إقدام نتنياهو على إفشال الخطة والتراجع عن موافقته المعلنة،كما في المرات السابقة، دعا الكونغرس الأميركي بشقيه نتنياهو للتحدث من منبره. وعلى الرغم من أن بايدن قدم الخطة على أنها خطة موقعة قبل أسابيع من إسرائيل نفسها، وتولى هو إعلانها للتدليل على دعمها، إلا أن الرد الإسرائيلي الرسمي عليها لا يزال ملتبساً، ويتأرجح بين الموافقة وبين تهديد وزراء في حكومة الحرب بالإنسحاب في حال هدنة الأسابيع الستة التي تفترضها المرحلة الأولى من الخطة. لكن ذوي المحتجزين لدى حماس والشارع الإسرائيلي المعارض تلقف الخطة، وارتفعت أعداد مظاهرات السبت الأسبوعية إلى 130 ألفاً في تل أبيب في حوالي 60 مدينة وبلدة أخرى في إسرائيل.
الإعلام الروسي كان منشغلاً عن خطة بايدن في اليومين الأخيرين بزيارة بوتين إلى أوزبكستان، والتهديد الذي أعلنه بضرب مواقع عسكرية في لندن، في حال أُصيبت مواقع روسية بالصواريخ البريطانية التي تطلقها أوكرانيا. واقتصر إهتمام الإعلام الروسي الموالي على التغطية الإخبارية للخطة، واستعراض المراحل الثلاث التي تضمنتها، دون إرفاقها بالتعليقات المعهودة التي تستغل الأحداث المماثلة لكيل الإتهامات للولايات المتحدة و”الغرب الجماعي”.
موقع Curcorinfo الإخباري الإسرائيلي الذي يصدر بالروسية أيضاً ونقل كلام الرئيس الأميركي أوباما عن خطة بايدن، نشر في الأول من الجاري نصاً نقل فيه عن مصدر سياسي في الحكومة الإسرائيلية قوله بأن إسرائيل طبقت معظم التفاصيل التي اقترحها بايدن. لكن المصدر استدرك بأن إسرائيل لا تغير مطالبها الأساسية، وهي تصر على القضاء الكامل على إمكانيات حماس العسكرية والحكومية، وعلى تحرير جميع الرهائن لدى حماس. والهدف الرئيسي يتلخص في ألا تشكل حماس لاحقاً تهديداً لأمن إسرائيل. وتهدف الخطة الإسرائيلية لإطلاق سراح الرهائن إلى استكمال كافة الشروط قبل سريان وقف إطلاق النار النهائي، حسب مصدر الموقع.
يضيف الموقع في نصه عن إسرائيل وخطة بايدن بأن الدولة العبرية تصر على أن لا تبدأ المرحلة الثانية من الخطة ثلاثية المراحل إلا بعد التوصل إلى إتفاقية بشأن شروط وقف إطلاق النار. وفي الوقت عينه، تحتفظ إسرائيل بالحق في استئناف الأعمال الحربية في حال انتهاك حماس لالتزاماتها أو في حال إنهيار المفاوضات.
موقع detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية الذي ينقل عادة نصوص كبريات الصحف الإسرائيلية غير اليمينية، نقل في الأول من الجاري عن صحيفة هآرتس مقابلة مع دليل سياحي إسرائيلي مخضرم كان يرافق مجموعات السياح الإسرائيليين إلى قطاع غزة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وتوقف منذ زمن عن رحلاته هذه. لم يطرح مندوب الصحيفة على الدليل السياحي أسئلة تتعلق بخطة بايدن مباشرة، بل ترك الدليل الإسرائيلي يتحدث عن القطاع وكيف تطورت علاقاته المتبادلة مع الإسرائيليين.
تصف الصحيفة الدليل السياحي الإسرائيلي صفي بن يوسف البالغ من العمر 76 سنة بأنه من أشهر الأدلاء السياحيين الإسرائليين، وكان من بين آخر من أخذ إسرائيليين إلى أماكن في قطاع غزة تجعلهم يرتعدون اليوم. يقول الدليل أنه بعد حرب العام 1967 ظهر في إسرائيل تعبير “تعرف على الأرض”، وكان الناس يذهبون في جولات سياحية للتعرف على “أرضهم الجديدة”. وكما كانوا يذهبون إلى القدس الشرقية، كانوا يذهبون إلى قطاع غزة، ولم يكن هناك أي فرق بين غزة ورفح من جهة، وبين مرتفعات الجولان والجليل من جهة أخرى. وبدأت جولات الإسرائيليين السياحية لغزة بعد احتلالها، وتواصلت بعد الإنتفاضة الأولى في ثمانينات القرن الماضي. كان الإسرائيليون يذهبون إلى القطاع من أجل التسوق أحياناً، وللتنزه في عطلات نهاية الأسبوع في أحيان أخرى. ولم يكونوا يقومون بأي استعدادات، كما “لم يكونوا مسلحين”. والسير على الأقدام في إسرائيل هو إحدى الوسائل “للتثبت من الحقائق على الأرض”. فالنزهة الهادئة الآمنة تعزز الشعور بملكية الأرض، ولهذا بالذات أخذ الإسرائيليون يزورون جميع المناطق التي جرى ضمها إلى “البلد الصغير” بعد العام 1967: من جبل حرمون وطرقات القدس القديمة إلى السوق القديم في قطاع غزة. ويقول الدليل أن الإسرائيليين كانوا يعتبرون المناطق التي يزورونها جزءاً من تلك الجغرافيا التاريخية التوراتية التي كانوا يسمونها “فيليستيا”.
يضيف بن يوسف بأنه ينظر اليوم إلى تلك السذاجة التي كانت تعتبر كل الأراضي من النهر إلى البحر كُلاً واحداً، والتي أوصلتنا إلى الإستنتاج بأن “الطبيعة كلها ملك لنا، وأدرك الآن كم كنا عمياناً”.
ولدى سؤاله عن هذه السذاجة، ومتى تحولت إلى العمى، قال الدليل السياحي بأنه يسميها سذاجة لأن الفضول كان سبب مشاركة الإسرائيليين في الجولات السياحية، وليس بإسم أيديولوجية ما. لكن هذا الفضول سرعان ما تحول إلى “عمى منعنا من رؤية الأمور، فلم ندخل مرة أثناء هذه الجولات إلى مخيمات اللاجئين”. ويقول بأنهم التقوا بسكان القطاع أثناء جولاتهم في الأسواق والمشاغل. ويفترض أن شيئاً من ذلك لم يعد موجودا، و”كله تحول إلى حطام”. كما كانوا يلتقون بالغزاويين في المزارع التي حافظت على التقاليد الزراعية القديمة، ليس لأنهم كانوا يريدون ذلك، بل كان الواقع يجرهم على ذلك.
يقول بن يوسف أنه كان ينظم رحلات سياحية إلى الضفة الغربية أيضاً، لكنه توقف بعد الإنتفاضة الثانية عن تنظيم مثل هذه الرحلات إلى الأماكن التي تقع وراء “الخط الأخضر”لأسباب أيديولوجية”. ويضيف بأنه لم يكن يعتنق في شبابه هذه الإيديولوجية التي لا تعتبر أن أراضي الفلسطينيين “تعود ملكيتها لنا”.
وعن تطور علاقات سكان غزة بالإسرائيليين، قال بن يوسف أن تواصلهم الأول معه يختلف كلياً عن تواصلهم معه أثناء جولته الأخيرة التي لم يذكر تاريخها. وكان التواصل مع الغزاويين في السنوات الأولى يقوم على أساس شخصي، كانت تتخلله فترات متوترة مرتبطة بنشاط الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن شاباك، لم يكن الناس أثناءها يرغبون في التحدث إليهم. وخارج هذه الفترات يقول بأن العلاقات كات علاقات “تعاطف متبادل”. ولم يكن يوجد ذلك المستوى من الكراهية،”حتى في فترات العنف”، وحين قام بجولاته الأخيرة في القطاع، أصبحت هناك أماكن لم يعد باستطاعة الإسرائيليين الدخول إليها. ويرى أن التغيرات التي طرأت تنعكس في ذلك الرعب الذي يخيم الآن على الواقع الذي بدأ مع الوحشية التي ارتكبتها حماس وما يجري بعدها الآن.
ولدى سؤاله عما إذا كان يتعرف على الأماكن التي زارها سابقاً من خلال شرائط الفيديو والريبورتاجات التي يشاهدها، أجاب بن يوسف بالنفي. وقال بأن التغيرات التي حصلت مخيفة، وكأنك تسأل شخصاً عاش في هيروشيما قبل آب/أغسطس 1945 ما إن كان يتعرف على مدينته بعد القصف النووي”. ويستنتج قائلاً “إنها هيروشيما خاصتنا ــــ This is our Hiroshima، لم أعد أتعرف لا على قطاع غزة، لم أعد أتعرف علينا نحن”.
- المدن


























