تتصف صناعة السياسات العامة واتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأميركية، بالتعقيد والتشابك نتيجة وجود قوىً رسمية وغير رسمية مؤثرة في سيرورة هذه العملية على المستويات المختلفة، سواء كانت تنفيذية أو تشريعية.
يمثل الكونغرس الأميركي ضمن هذه العملية في صنع السياسات واتخاذ القرار، إحدى أبرز الركائز الأساسية، ويعد في بعض الأحيان أكثر من شريك بالنسبة لأيّة إدارة توجد في البيت الأبيض، بغضّ النظر عن خلفية الرئيس في الإدارة، وكذلك عن انتماء أعضاءه من الديمقراطيين أو الجمهوريين.
في الوقت نفسه، لا يعد الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، مستقلاً بلجانه وهيئاته؛ بل هو خاضع لعدة مؤثرات، من بيئة سياسية داخلية وخارجية، والعلاقة العضوية الارتباطية المتبادلة مع جماعات الضغط والمصالح في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تسارع على سبيل المثال لا الحصر، الى استغلال فترة الانتخابات العامة أو النصفية لتحقيق غاياتها، وفي مقدمة هذه الجماعات “الإيباك” أو اللوبي اليهودي، الذي أعلن تقديم ما يزيد عن 100 مليون دولار للمرشحين في الانتخابات النصفية المقبلة ممن يتبنون محددات السياسة الإسرائيلية.
أهداف اللوبي اليهودي في أميركا
“الإيباك”، أو اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، سعى منذ وصول إدارة دونالد ترامب الى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة في سوريا عبر الضغط على هذه الإدارة:
أولاً: عدم منع إسرائيل من تدمير القدرات العسكرية السورية بكل أشكالها، ويترافق ذلك مع توسع عسكري في تجاوز لاتفاق فض الاشتباك العام 1974.
ثانياً: منع رفع العقوبات على سوريا، بذريعة وجود سلطة ذات خلفية دينية راديكالية تُهدّد أمن إسرائيل.
ثالثاً: التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا يحقق المصالح الإسرائيلية، ويحرم السوريين من استعادة حقوقهم.
تحقيق الأهداف
الهدف الأول، وفق ما شهدته سوريا على مدى الشهور السابقة من سقوط النظام البائد، تحقّق على نحوٍ كبير، حتى أن التقديرات الإسرائيلية، تشير الى تدمير ما يقارب من 92 بالمئة من القدرات العسكرية السورية بمختلف أنواعها ومجالاتها، بالتزامن مع قيام القوات العسكرية الإسرائيلية ببناء 19 موقعاً عسكرياً جديداً داخل الأراضي السورية.
أما الهدف الثالث فما زال حتى اللحظة في إطار التجاذب، ولا سيما في ظل رفض السلطات الجديدة في سوريا للشروط الإسرائيلية من ناحية، ومن ناحية أخرى وجود موقف عربي مشترك تقوده السعودية يشترط إقامة دولة فلسطينية كأساس لأي اتفاق سلام بالمنطقة.
في حين أن جهود هذا اللوبي بالضغط على البيت الأبيض لإبقاء العقوبات المفروضة على سوريا كما هي، لم تنجح، ولا سيما بعد توقيع الرئيس ترامب نهاية حزيران/ يونيو الماضي أمراً تنفيذياً لرفع العقوبات عن سوريا وتجميد العقوبات التشريعية، لذلك سارع أعضاء “الإيباك” بالتوجه الى ممارسة الضغوط على الكونغرس لمنع رفع هذه العقوبات، أو ربط رفعها بشروط تُحقّق المصالح الإسرائيلية في نهاية المطاف، ومما يدلل على ذلك عدة مؤشرات:
المؤشر الأول: سعي اللوبي اليهودي للدفع ببعض الشخصيات النافذة داخل الكونغرس ومن الحزب الجمهوري لمنع رفع قانون “قيصر”، أو على الأقل ربط رفعه بسلسلة من الشروط الصارمة أمثال ليندسي غراهام وكريس فان هولن وغيرهم.
المؤشر الثاني: قيام اللوبي بالتعاون مع حكومة تل أبيب وعبر منظمات وشخصيات إسرائيلية باستضافة ما سُميّ بمؤتمر الأقليات في تل أبيب نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتصدير مضمونه ومخرجاته إعلامياً باتجاه الغرب لتحقيق عدة أهداف، من بينها إبقاء سيف العقوبات مسلطاً على سوريا.
المؤشر الثالث: استخدام وسيلة التمويل للحملات الانتخابية كأداة ضغط وجذب لتبني الوجهة الإسرائيلية.
بالعموم، النجاح في إدراج رفع “قانون قيصر” ضمن ميزانية الدفاع، والتصويت عليه بالموافقة من داخل مجلس الشيوخ مطلع تشرين الأول الماضي، خطوة كبيرة نحو ما يمكن توصيفه بالتعافي الضروري للاقتصاد السوري، ولكن في الوقت نفسه يجب عدم إغفال تعدد مراكز صنع القرار داخل الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة الكونغرس الذي يقترب من انتخاباته النصفية، وهي وسيلة من قوىً متعددة لاستغلال ذلك لعرقلة مشاريع قوانين أو تكبيلها بسلاسل من الشروط القاهرة.
سيناريوهات متوقعة
لذلك قد نكون أمام مروحة من الخيارات أو السيناريوهات:
السيناريو الأول: نجاح إدارة ترامب بالضغط على الكونغرس لرفع كامل للعقوبات عن سوريا من دون أي شروط، مثل هذا السيناريو ممكن ولكن مؤشراته قليلة في ظل إمكانات وقدرات اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية عموماً، والكونغرس على نحوٍ خاص.
السيناريو الثاني: توجه اللوبي لممارسة ضغوط لفرض شروط على سوريا مقابل رفع العقوبات، بما في ذلك التوصل الى اتفاق أمني مع إسرائيل قد لا يكون مشابهاً لاتفاق عام 1974، ولكن بصيغة ومضامين أخرى، وهذا السيناريو الأكثر ترجيحاً.
- المدن


























