ملخص
لفتت مرح البقاعي الانتباه إلى معلومات تؤكد مناقشة العلاقة مع إسرائيل، إذ إنه من المتوقع التوصل إلى اتفاقات أمنية نهائية وضعت أخيراً النقاط على الحروف في شأنها، وحل معظم هذه الخلافات عبر التوصل إلى اتفاق أمني يحسم التوغل الحاصل في الجنوب السوري.
إذا كان درج قصر القيصر الروسي بالكرملين بعيداً بما فيه الكفاية لأن يصعده الرئيس السوري أحمد الشرع كمن “يمارس الرياضة”، فإن الطريق إلى البيت الأبيض أمام الوفد السوري بات ممهداً بعد وساطات دولية وعربية فاعلة لأن يصل بيسر وسهولة، زيارة تاريخية حاسمة تفتح عبرها واشنطن ودمشق صفحة جديدة في كتاب العلاقات الثنائية المليء بتوترات وأحداث ساخنة عبر عقود طويلة.
ففي الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري يترقب السوريون مخرجات لقاء يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضيف كان قبل عام إحدى أبرز الشخصيات التي تتعقبها الولايات المتحدة في سوريا، حين وضعت وزارة الخزانة الأميركية مكافأة مجزية لمن يُدلِ بمعلومات عنه، واليوم وبعد سقوط الأسد وهربه إلى موسكو فإن الشرع بوصوله إلى واشنطن سيترك صدمة حتى لمعارضيه خصوصاً بعد أحداث الساحل والسويداء الدامية بما فيها شرق الفرات.
وترى أوساط سياسية متابعة لما يحدث أنه يعود إلى ما يتمتع به زعيم قصر “قاسيون” من مرونة وبراغماتية غير معهودتين لدى رؤساء سبقوه بالحكم من جهة سياستهم الخارجية حيال العلاقة مع أميركا، بل صدمة لكل التنبؤات حول تحول دمشق إلى قاعدة للسلفيين والجهاديين بعد إحكام السيطرة وتربعه على كرسي الحكم عقب سقوط العاصمة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 حين جمع الفصائل المسلحة التي تقاتل الأسد على كلمة واحدة ووحدها في عملية “ردع العدوان”.
ويبدو جلياً ازدحام جدول الزيارة الرسمية بملفات سياسية وأمنية عالقة، والمرتقب أن تفضي نحو حلحلة ما لعدد منها، وبحسب ما علمت “اندبندنت عربية” عن تحضيرات تدور منها لقاء سيجمع الرئيس الشرع مع أبناء الجالية السورية غداً الأحد وفق ما أكدته عضو الحزب الجمهوري ورئيسة تحرير منصة البيت الأبيض بالعربية مرح البقاعي، مشيرة إلى أن برنامج الزيارة من نوع بروتوكول زيارة دولة.
وتابعت، “سيكون الرئيس ترمب باستقبال ضيفه السوري على باب البيت الأبيض، ومن ثم ينتقلان إلى المكتب البيضاوي، ويتبعه على الفور مؤتمر صحافي في المكتب ذاته، ويعقبه اجتماع مغلق للوفدين قد يحضره عدد محدود جداً من الصحافيين”، وتضيف السياسية الأميركية السورية، “من المقرر أن يبحث الاجتماع قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب ووضع خريطة طريق لمكافحته من كل الجهات المدربة”.
وتجزم أنه في حال التوصل إلى هذا الاتفاق فهي “طريقة ذكية من أميركا” بحسب وصفها، من شأنها تسريع اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالجيش السوري الجديد فضلاً عن مناقشة قضايا تتعلق بمكافحة المخدرات.
الاتفاق الأمني
ولفتت مرح البقاعي الانتباه إلى معلومات تؤكد مناقشة العلاقة مع إسرائيل، إذ إنه من المتوقع التوصل إلى اتفاقات أمنية نهائية وضعت أخيراً النقاط على الحروف في شأنها، وحل معظم هذه الخلافات عبر التوصل إلى اتفاق أمني يحسم التوغل الحاصل في الجنوب السوري.
وفي الحديث عن مخرجات الاجتماع فإن ما يتعلق بالعقوبات يعد أبرز الملفات المهمة إلى جانب الأمن والاستقرار لأنها مفتاح الانفتاح الاقتصادي لسوريا الجديدة، وفي هذا الشأن تتوقع الصحافية المقربة من البيت الأبيض تأخر صدور قرار رفع العقوبات.
وتعزو ذلك لأسباب لا تتعلق بالرئيس الأميركي بل كونها بيد الكونغرس، مؤكدة في الوقت ذاته وجود إغلاق حكومي سيؤخر اجتماعات المجلس، ومن ثم تأخر اتخاذ قرار إلغاء قانون العقوبات (قيصر) بل يؤخر مجموعة من مشاريع القرارات أيضاً، وفق رأيها.
العودة إلى روسيا
بالأثناء يستعرض مراقبون زيارات الشرع الخارجية، ومن أبرزها إلى السعودية في مايو (أيار) الماضي التي التقى خلالها بالرئيس الأميركي وانتزعت الرياض وعداً من ترمب بإلغاء العقوبات وقوفاً مع الشعب السوري بعد معاناته وطأة الحرب والحصار لأعوام طويلة.
أما الزيارة الخارجية إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين تصافحت الأيدي المتحاربة في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شكلا مشهداً صادماً لعموم السوريين وبالذات للفريق المؤيد للشرع ممن عانوا القصف الجوي الروسي منذ عام 2015 حين وصلت القوات الروسية.
وفي كل الأحوال يجد الشرع نفسه مضطراً إلى الوقوف على مسافة واحدة من كل اللاعبين الدوليين حتى مع الروسي الخصم اللدود، فالحفاظ على علاقات مع موسكو يخضع لحسابات دقيقة، ودمشق اليوم تعتمد في تأمين الغذاء والطاقة والدفاع على موسكو.
وثمة فريق من المراقبين يعتقد أن السياسة الخارجية السورية تبدو ناجحة بفضل وجود رغبة عربية وأوروبية للتقارب مع بلد يتوسط قلب العالم يكفيه ما عاشه من عزلة طويلة علاوة على الحاجة إلى الوقوف إلى جانبه، ومن جهة ثانية للتأكد من ألا تتحول سوريا الجديدة إلى أرض للمتطرفين.
في المقابل لم تنفع كل رسائل الطمأنينة التي أرسلها الرئيس الشرع منذ الأيام الأولى لاستلامه مقاليد الحكم عن تحول بلاده إلى السلام وحسن الجوار في طمأنة إسرائيل بل توغلت الأخيرة في ريفي القنيطرة ودرعا واستحوذت على مرتفعات جبل الشيخ الإستراتيجي.
ومع هذا من المرجح أن السياسة السورية أفلحت بالقفز والصعود من وإلى كل المراكب، فبعد قرابة عام على الحكم الجديد باتت واضحة الخطوات المتأنية الأميركية والغربية اتجاه دمشق، وما زيارة الشرع إلى الكرملين وقتها إلا رسالة يقرأها متابعون أنها موجهة خارجياً إلى البيت الأبيض فحواها وجود بدائل داعمة منها روسيا، لا سيما الحديث عن صفقات تسليح، ولعل حضور وفد من وزارة الدفاع في موسكو ليس إلا لتعزيز العلاقات العسكرية، وكل ذلك مقابل الإبقاء على قواعدها في اللاذقية وطرطوس مما يثير ريبة وقلقاً لدى الأوروبيين والأميركيين.
وفي القضايا الأمنية والتسليح بين واشنطن وموسكو يقرأ البروفيسور في القانون الدولي بالجامعة الأميركية في الإمارات، عامر فاخوري الاتجاه السوري نحو الكرملين من أهدافه ترميم جيشه والحصول على قطع غيار كون قوام سلاح الجيش السوري روسياً، ولكن ضمن حدود معينة تتناسب مع الواقع الدولي الراهن ومع حسابات موسكو نفسها، وهو تعاون دفاعي إستراتيجي، لكنه مدروس ومتدرج، يهدف إلى إعادة الجاهزية أكثر من تحقيق التفوق.
ويقول فاخوري في حديث خاص إلى “اندبندنت عربية”، “في تقديري، واشنطن والعواصم الغربية رفضت بصورة غير معلنة تسليح الجيش السوري والسبب في ذلك يرتبط بعدة مستويات متشابكة منها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال أعوام الحرب، لذلك جرى اتخاذ موقف يقوم على الاحتواء لا الدعم بهدف إبقاء النظام تحت الضغط السياسي والاقتصادي”.
من الجانب الأمني يعتقد البروفيسور الفاخوري أن واشنطن تخشى أن يؤدي أي دعم عسكري أو لوجستي إلى تعزيز النفوذ الإيراني داخل الجيش السوري، وبخاصة أن طهران تمتلك حضوراً عسكرياً واستخبارياً واسعاً في الميدان السوري.
وكان الشرع ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ24 من سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي المرة الأولى التي يعتلي بها رئيس سوري هذا المنبر منذ عام 1967، ودعا المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب بلاده في مواجهة الأخطار الإسرائيلية واحترام سيادة ووحدة أراضي بلاده.
الزيارة الرسمية الأولى للبيت الأبيض والثانية إلى الولايات المتحدة سبقها قرار رفع العقوبات عن الشرع ووزير داخلية سوريا أنس الخطاب من قائمة الإرهاب العالمي، حيث يأتي هذا بحسب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تومي بيجوت “لما بذلته الحكومة السورية الجديدة بتحديد مكان الأميركيين المفقودين والوفاء بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب والمخدرات والقضاء على أي بقايا للأسلحة الكيماوية” ومع كل ذلك فإن الحلول السياسية والأمنية حاضرة مع صاحب البيت الأبيض الذي يدفع بكل طاقته لنجاح الاتفاقات الإبراهيمية وإحلال السلام بالمنطقة.
- إندبندنت






















