عندما نضع التصرف الأميركي تجاه أحداث قرية العديسة اللبنانية تحت مجهر التحليل السياسي يستوقفنا هذا الموقف بكل ما حمله من تسرع وتطرف في اتجاه مساندة الاحتلال الإسرائيلي، والتي ظهرت إعلامياً في موقفين واضحين أولهما تحميل واشنطن لبيروت مسؤولية الاشتباكات المحدودة التي شهدها الشريط الحدودي بعد أن قامت إسرائيل بمحاولة إزالة شجرة تقع على الجانب اللبناني من الحدود، مما استوجب تدخلاً من الجيش وما نتج عن ذلك من تبادل لإطلاق النار وتوتر سارع الجميع لاحتوائه.
أما الثاني فيتمثل في إقدام الكونجرس الأميركي على تجميد 100 مليون دولار تم تخصيصها في وقت سابق لدعم وتجهيز الجيش اللبناني، وحسب تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي الديمقراطي هاورد برمان فإن قرار التجميد اتخذ حتى يتم «التعرف أكثر على الحادث وطبيعة نفوذ حزب الله على الجيش اللبناني»، ومما قاله برمان «لا أستطيع بروحي وضميري السماح للولايات المتحدة بمواصلة إرسال أسلحة إلى لبنان».
وقد نجد الكثير من المبررات لموقف واشنطن لو كان الطرف الذي واجه العدوان الإسرائيلي هي المقاومة وذلك نظرا لكثير من الخلفيات التي قد تسمح باتخاذ مثل هذه القرارات رغم انحيازها للظالم ومجانبتها الحق والحيادية.
لكن هنا وفي حجم الحدث الذي تم تطويقه سريعا فان موقف واشنطن يستدعي التفكير نظراً لأن الواقع الميداني أصبح مختلفا على جبهة الحدود في ظل تمركز الجيش فيها وإبعاد عناصر المقاومة ويضاف إليها تواجد القوات الدولية وإشرافها على تطبيق القرارات الدولية، مما لا يستوجب دخول واشنطن على خط الأزمة بهذا السياق الذي ساهم في إضفاء المزيد من التوتر على الحالة العامة خاصة في الداخل اللبناني.
وفي جانب متصل فإن حكومة بيروت برئاسة سعد الحريري جاءت بعد مخاض عسير ووفقا لرؤية شاركت واشنطن في صياغتها مع أكثر من طرف عربي ودولي، لذا فإن قرار تجميد المساعدات العسكرية وتحميل لبنان وجيشه خرق الاتفاقات الدولية ليس له من نتيجة سوى تسخين الجبهات وإرباك الساعين إلى إحلال التهدئة في المنطقة لصالح قوى المواجهة.




















