أبدى الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما خلال يومين متتاليين قلقه العميق للخسائر بين المدنيين جراء الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة، وكرر انه فور تسلمه صلاحياته الدستورية في 20 كانون الثاني الجاري سيبدأ مع فريقه المعين بالشؤون الخارجية والامنية العمل ليس فقط على معالجة مضاعفات القتال في غزة "في الامد المنظور، بل بناء عملية سياسية نستطيع من خلالها تحقيق سلام دائم في المنطقة". وصدر هذا الموقف عقب كشف قرار أوباما تعيين المنسق السابق لعملية السلام في الشرق الاوسط دنيس روس مبعوثا الى منطقة الشرق الاوسط ومستشارا بارزا لوزيرة الخارجية المعينة هيلاري كلينتون لقضايا المنطقة ونزاعاتها، من الخليج الى شرق المتوسط.
وصرح أوباما خلال مؤتمر صحافي قصير في واشنطن اول من أمس ان من الخطأ ان يفسر الفلسطينيون او غيرهم رفضه اتخاذ موقف سياسي اوضح او التدخل علنا في المناقشات المتعلقة بوقف النار على انه صمت، وقال: “الصمت ليس ناتجا من غياب القلق، وفي الواقع هو ليس صمتا… لقد شرحت القيود الدستورية التي أخضع لها الآن"، في اشارة الى ان الرئيس الدستوري الفعلي للولايات المتحدة الآن وحتى 20 كانون الثاني الجاري هو جورج بوش.
وكان أوباما قال الثلثاء: “انا قلق جدا من جراء النزاع الراهن، وأنا أتابع وأرصد الوضع عن كثب وعلى أساس يومي. والخسائر في الارواح بين المدنيين في غزة واسرائيل هي مصدر قلق عميق لي، وبعد 20 كانون الثاني سيكون لدي الكثير لأقوله عن هذه المسألة".
وجدد أوباما التزامه ما قاله خلال حملته الانتخابية من أنه سيسعى فور توليه صلاحياته الدستورية "الى المشاركة الفعالة والثابتة في محاولة حل النزاعات القائمة في الشرق الاوسط وانا ملتزم ذلك، وأنا أعتقد أن ذلك من مصلحة شعوب المنطقة، والاهم من ذلك هذا هو الشيء الصحيح للأمن القومي للشعب الاميركي ولمصلحة الاستقرار… لذلك ستسمعون مني مباشرة في العشرين من الشهر الجاري ما هي آرائي في هذه المسألة. وحتى ذلك الوقت، ان وظيفتي هي رصد الوضع وتشكيل أفضل فريق ممكن للأمن القومي كي نبدأ فورا عملنا في مجال الامن القومي".
ويتوقع الكثير من المحللين ان يسارع اوباما ووزيرة الخارجية المعينة هيلاري كلينتون الى التحرك بطريقة تؤكد لحكومات المنطقة وشعوبها انه لن يتصرف كسلفه بوش، الذي لم يهتم مباشرة او لوقت طويل وثابت بمعالجة متطلبات تحقيق السلام بين العرب واسرائيل، كما فعل قبله الرئيس بيل كلينتون.
وظهر الاربعاء استضاف الرئيس جورج بوش أوباما والرؤساء الاميركيين السابقين الثلاثة، بيل كلينتون، وجورج بوش الاب وجيمي كارتر، في البيت الابيض لتناول طعام الغداء ولعقد اجتماع استمر 90 دقيقة واقتصر على الرؤساء الخمسة. وهذا الاجتماع هو الاول من نوعه بين الرؤساء الاميركيين منذ 1981 حين التقى الرئيس الاميركي الراحل رونالد ريغان الرؤساء السابقين كارتر وجيرالد فورد وريتشارد نيكسون عشية زيارتهم للقاهرة للمشاركة في تشييع جثمان الرئيس المصري انور السادات.
وقال بوش لأوباما خلال التقاط الصور التذكارية: “الرسالة التي نتشاطرها جميعنا هي اننا نريدك أن تنجح… ورد أوباما انه يقدّر هذه الفرصة غير العادية للاستفادة من نصائح الرؤساء السابقين. وقال المسؤولون في فريق أوباما والبيت الابيض ان الرؤساء تطرقوا الى القضايا التي تواجهها البلاد بروح بعيدة عن الحزبية واتفقوا على مواصلة التشاور في ما بينهم.
عودة روس
من جهة اخرى، قرر أوباما تعيين روس مبعوثا الى منطقة الشرق الاوسط والمستشار الابرز لهيلاري كلينتون لقضايا المنطقة ونزاعاتها المتشعبة "من عملية السلام العربية – الاسرائيلية الى ايران"، استنادا الى رسالة الكترونية من مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الادنى التي يعمل فيها روس منذ سنة 2000 والتي تعتبر من أبرز مراكز الابحاث الاميركية المتعاطفة مع اسرائيل، الى مجلس أمنائها وموظفيها.
وجاء في الرسالة ان المنصب "قد صمم خصيصا" لروس الذي "لن يعاود دوره السابق مبعوثا خاصا لعملية السلام العربية – الاسرائيلية" وهو دور سيكلف القيام به مسؤول آخر، وذلك للتأكيد ان منصب روس سيكون أرفع لأن صلاحياته والمنطقة الجغرافية التي سيكون مسؤولا عنها ستكون أوسع وتمتد من الخليج الى شرق المتوسط. وأشارت الى ان روس ينسق مع المسؤول المباشر عن عملية السلام ومع الوزيرة كلينتون ويوافق روس على الطرح القائل انه صار لايران في السنوات الاخيرة نفوذ في شرق المتوسط لا سابقة له، نظرا الى علاقاتها الوثيقة مع سوريا ورعايتها ودعمها المادي والسياسي لـ"حزب الله" في لبنان، ودعمها المادي والعسكري لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" في قطاع غزة.
ومن المتوقع ان يعين اوباما عددا من المبعوثين لمعالجة ملفات وقضايا ونزاعات دولية بينهم السفير السابق ريتشارد هولبروك مهندس اتفاق دايتون في 1995 بين البوسنة وصربيا وكرواتيا، الذي سيكون مبعوثا لمنطقة جنوب آسيا لمعالجة النزاع الهندي – الباكستاني. وليس واضحا حتى الآن من سيعين في منصب مساعد الوزيرة لشؤون الشرق الاوسط، والذي يتولاه بالوكالة الآن السفير جيفري فيلتمان، وان يكن اسم السفير السابق في مصر دانيال كيرتزر، الذي كان مستشاراً لاوباما خلال الحملة الانتخابية، من الاسماء المطروحة.
وكان روس، الذي كان مستشارا لأوباما خلال الحملة الانتخابية ورافقه في زيارته لاسرائيل والاراضي الفلسطينية واوروبا الصيف الماضي، ابلغ الى المقربين منه حتى قبل تعيين الوزيرة كلينتون، انه يرغب في العودة الى الحكومة ولكن ليس للاضطلاع بدوره السابق الذي ينحصر بالنزاع بين اسرائيل والعرب، بل القيام بدور اقليمي اوسع "يشمل ايران والخليج، لان قضايا المنطقة ونزاعاتها مرتبطة بعضها بالبعض، ولا يمكن حل النزاع العربي – الاسرائيلي من دون معالجة الدور الايراني السلبي والمتنامي في سوريا ولبنان وغزة"، كما افادت مصادر تحدثت معها "النهار".
وكان روس قد اضطلع بدور مباشر خلال الحملة الانتخابية في تعبئة الناخبين اليهود وخصوصا في ولايات محورية مثل فلوريدا للتصويت لاوباما، كما نشر مقالات في مطبوعات يهودية شرح فيها اسباب دعمه للمرشح الديموقراطي، ومنها ادراك الاخير اسباب فشل سياسة الرئيس بوش حيال ايران، واشار الى انه اعجب بالطريقة التي استفاد فيها اوباما من مناقشاته مع القيادة الاسرائيلية في الصيف خلال محادثاته مع المسؤولين الاوروبيين والتي برر فيها قلق اسرائيل من ايران النووية واعتبارها "خطرا وجوديا" عليها.
وفي السنوات الاخيرة، حض روس على التخلي عن شرط ادارة بوش للتحاور مع ايران فقط بعد تعليقها تخصيب الاورانيوم، وهو ما تأمل فيه الدول الاوروبية، ولكن في الوقت عينه مطالبة اوروبا بدعم اميركا في دعوتها الى تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران لوقف برنامجها النووي، لئلا تفسر القيادة الايرانية مبادرة اميركا بالتحاور معها على انهامؤشر ضعف. وتتضمن استراتيجية روس حيال ايران حوافز وعقوبات، اي الجزر والعصي. وهو يدعو الى اعتماد خطة اميركية شاملة لاقناع الدول الاوروبية وتحديدا المانيا وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن الصين وروسيا، "بقطع الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز الطبيعي، والمعاملات مع المصارف الايرانية، وتعليق ضمانات القروض للشركات الاوروبية التي تتعامل مع ايران". ويرى ان على الدول الاوروبية والسعودية استخدام علاقاتها الاقتصادية بالصين وروسيا لإقناع هذين البلدين بتشديد العقوبات على طهران. ويشدد على ان اسرائيل لن تتسامح مع ايران نووية، لانها تعتبرها "خطرا وجوديا"، وهو يعتقد ايضا ان السعودية ترى ايران النووية "تقريبا" بهذا الشكل ايضا.
ويقول روس ان الدول الاوروبية ترى ان الخيارا لعسكري ضد البرنامج النووي الايراني هو أسوأ من ايران نووية، وانه اذا ارادت اوروبا تفادي الخيار العسكري فعليها ان تدعم خيار تشديد العقوبات على ايران. وجاء في مقال له في هذا الموضوع ان لدى اميركا وحلفائها قدرات على التفاوض من موقع قوي مع ايران"، لان "المفاوضات مع ايران ليست موجودة في فراغ. وعلى ايران ان ترى انها يمكن ان تكسب من المحادثات: الحصول على طاقة نووية مدنية، والمكاسب الاقتصادية، والضمانات الامنية، والقبول الاقليمي. ولكن ايضا ما يتعين عليها ان تتخلى عنه اي: السلاح النووي، واستخدام الارهاب والتخريب، والدعم المادي لميليشيات "حزب الله" و"حماس"، ومعارضة السلام مع اسرائيل". ويشمل تصور روس دخول مقايضات بين اميركا ودول اخرى وسيلة لإقناعها بالضغط على طهران، مثل التفاوض مع روسيا في شأن نظام الدفاعات الصاروخية التي سعت ادارة الرئيس بوش الى اقامتها في بولونيا والجمهورية التشيكية بحجة ردع الصواريخ الايرانية، والتي احتجت عليها موسكو بحدة. ويعتقد روس انه اذا غاب الخطر الايراني النووي لن تكون ثمة حاجة الى مثل هذا النظام الدفاعي الصاروخي. وهذا التصور الشمولي للتعامل مع الملف الايراني، يعني ان روس سوف يقوم بمثل هذه الاتصالات الدولية المتشعبة مع الاوروبيين والعرب وروسيا والصين لاحتواء ايران.
واشنطن – من هشام ملحم