ملاحظة أساسية : جاء تشكيل لجنة لوضع مشروع قانون الانتخابات العامة بقرار من رئيس الجمهورية وضمت أعضاء من حزب البعث الحاكم وعدد آخر من المستقلين الذين جرى اختيارهم من قبل الجهات السياسية ( حزب البعث ) والجهات الأمنية , ولم تضم اللجنة أياً من العناصر المعارضة الحزبية وغير الحزبية وهذه المسالة تحمل مرتكزين أساسيين :
الأول : إن عملية الإصلاح بما فيها إصلاح قانون الانتخابات العامة تأتي كمنحة من السلطة , وليست حقاً من حقوقه المكتسبة. ومنطق المنحة والهبة ينطلق من فهم رئيسي يعتبر الدولة ملكا للحاكم والحاكم هنا يجسّد ويختصرها في شخصه ” الدولة ” وليس مجرد موظف لدى المجتمع .
الثاني : عدم الاعتراف بالآخر . حيث الآخر للسلطة في الأنظمة الديمقراطية هو المعارضة , ولعل هذا وقبل البحث في أي إصلاح جدي لقانون الانتخابات يستوجب التوقف عند المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية وما تفرع عن هذا النص من قوانين وإجراءات نجم عنها إمساك حزب البعث والقوى التي تقف خلفه بمفاصل الدولة والمجتمع . حيث ان بقاء هذا النص الدستوري ومتفرعاته يلغي أي معنى للانتخابات العامة وللمؤسسات الناتجة عنها أصلاً .
ملاحظة ثانية : بالعودة إلى مشروع قانون الانتخابات العامة تستوقفنا مسالة هامة تتعلق بجوهر العملية الانتخابية حيث لا وجود لضمانات جدية لنزاهة الانتخاب ولا يتعلق الأمر هنا بنصوص قانون الانتخاب وإنما بالمناخات المحيطة بالعملية الانتخابية فحزب البعث كما قلنا , يسيطر على مفاصل الدولة بما فيها السلطة القضائية إضافة إلى السلطة الإدارية والسلطات المحلية والنقابية ورجال الشرطة والأمن , وهذا التركيب للسلطة يجعل من حزب البعث مسيطراً على العملية الانتخابية بكافة مراحلها , ويجعل من منافسته امراً غير ممكن بل مستحيلاً من حيث المبدأ مهما كانت نصوص قانون الانتخاب .
الملاحظة الثالثة : وتتعلق بالقاعدة العامة لمشروع قانون الانتخاب الحالي التي تتأسس على قاعدة الانتخاب الأكثر في دوائر كبرى ( محافظات ) وهذه القاعدة تقوم على استفراد قوى كبرى بالمقاعد النيابية وتحتاج إلى أموال طائلة ومصاريف هائلة لإدارة عملية خوض الانتخاب , وهي تنتج بالقطع أغلبية واضحة ومسيطرة ولا تفسح المجال للقوى الصغيرة في التعبير عن ذاتها داخل المؤسسة التشريعية , وفي ظل الوضع السوري الراهن الذي يوجد فيه حزب واحد مسيطر لسنوات طويلة على ” الدولة ” ويسخر إمكانياتها وأموالها لصالحه وعمل خلالها على منع منافسيه من الحضور السياسي العلني وقطع مصادر أرزاق خصومه , فان استمرار قاعدة الانتخاب الاكثري لا تتيح تمثيل جميع القوى والتيارات السياسية القديمة والصاعدة , ومن هنا ومن اجل إتاحة المجال لمشاركة واسعة في ظل الوضع الراهن للقوى السياسية تبقي قاعدة الانتخاب وفق قاعدة النسبية هي السبيل الأفضل لمشاركة جميع القوى والتيارات والمساهمة في صنع عملية التحويل الديمقراطي , حيث تحظى كل قوة ( حزب أو قائمة ) بنسبة من المقاعد تعادل نسبة الأصوات التي نالتها في العملية الانتخابية .
الملاحظة الرابعة : اعتمد مشروع القانون على منح العمال والفلاحين حصة ” كوتا ” 50 %من مجمل مقاعد مجلس الشعب و60% من مقاعد المجالس المحلية بعد أن أضاف إليهم قطاع الحرفيين , وهذه القاعدة تستند إلى النظام الاشتراكي الذي يؤمن بدور قيادي لطبقتي العمال والفلاحين آو ” ديكتاتورية البلوريتاريا ” وبعيداً عن مناقشة التكوين الطبقي في سورية فان هذه القاعدة هي جزء من منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة تشكل النظام الاشتراكي وهي منظومة جرى التخلي عنها عملياً مما يجعل الإبقاء عليها لا يحمل تلك المعاني الثورية وخصوصاً انه في التطبيق العملي وفي التعاريف المطروحة فانه لم يعد هناك أية فروقات بين هاتين الطبقتين وشرائح و فئات اجتماعية أخرى وخصوصا أن الكثيرين ممن تنطبق عليهم التعريفات القانونية لصفة العامل أضحوا عمليا الشرائح العليا في المجتمع , وهو ما يستوجب إلغاء هذه الحصة وإلغاء قاعدة الحصص أساساً .
الملاحظة الخامسة : وتتعلق بالإشراف على العملية الانتخابية والتي أنيطت في مشروع القانون إلى السلطة القضائية , وهو إجراء من حيث الشكل مثالي حيث القضاء في النظام الديمقراطي هو جهة مستقلة وحيادية يضاف إلى ذلك أن قانون السلطة القضائية في سورية ينص على حيادية القضاة من خلال النص على منع القضاة من ممارسة العمل السياسي وحتى الإدلاء بآراء سياسية إلا انه في الواقع المسالة شديدة الاختلاف فالقضاء السوري تابع للسلطة السياسية الممسكة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية , وجرى بشكل رسمي تبعيثه حيث ينتمي الغالبية الساحقة من القضاة إلى حزب البعث في مخالفة صريحة لقانون السلطة القضائية وهو الأمر الذي يجعل من حيادية السلطة القضائية امرأ مشكوكاً فيه ,وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمنافسة حزب البعث الذي ينتمي إليه أولئك القضاة مع أحزاب وجهات أخرى وهو ما يتطلب البحث عن صيغة أخرى لضمان حيادية واستقلالية الجهة المشرفة على الانتخابات واستقلاليتها , وليس هناك افضل من تشكيل هيئة مستقلة بالتعاون بين السلطة والمعارضة من شخصيات قانونية ( قضاة ومحامين ) معروفين بنزاهتهم , وان تمنح هذه الهيئة سلطات واسعة لممارسة دورها .
الملاحظة السادسة : ما ينطبق على اللجنة العليا للانتخاب ينطبق على لجنة الترشيح المسؤولة عن قبول الترشيحات وفحص قانونيتها نظرا لان المحافظين وكبار المسؤولين الإداريين هم أيضا أعضاء في حزب البعث ويحملون صفات قيادية فيه , وهو ما يستوجب تعيين لجنة الترشيح من عناصر مستقلة غير حزبية وتتمتع بالنزاهة والاستقامة المشهودتين .
ملاحظات أخرى :
1- الأصل في الاقتراع يجب أن يتم في يوم واحد من اجل ضمان عدم تزوير صناديق الاقتراع خلال فترة طويلة بعيدة عن الرقابة الفعلية .
2- ضرورة اعتماد بطاقة انتخابية غير قابلة للتزوير ومعتمدة من جهات دولية موثوقة .
3- إلغاء الصناديق الجوالة والتي لا يمكن الإشراف الدقيق عليها والتي كانت محل شكوى في جميع الانتخابات السابقة .
4- يجب النص بوضوح على أن قرارات المحكمة الدستورية العليا بقضايا الطعن بنتائج الانتخاب ملزمة للمجلس .
5- ضرورة التشديد على عقوبات تزوير نتائج الانتخابات العامة ووضع عقوبة على التصويت خارج الغرف السرية , وتشمل العضوية اللجنة المشرفة على مركز الاقتراع .
6- إلغاء عقوبة الامتناع عن المشاركة في الاقتراع نظرا لان المقاطعة هي حق سياسي مثلها مثل المشاركة .




















