ورد في مذكرات المرحوم أكرم الحوراني ما يلي: “غزت فرنسا سورية بجيش مؤلف في معظمه من الفرق الأجنبية ومن مجندي مستعمراتها، مثل السنغال ومراكش والجزائر بقيادة فرنسية، وبعد احتلالها سورية أنشأت ما سمّي “الجيش المختلط “، الذي تكوّن من أبناء سورية مع ما تبقّى من العناصر السابقة، وقد حاولت فرنسا أن يكون الجيش من الأقليات الطائفية والمذهبية والعنصرية والقبلية، ثم أطلق على هذا الجيش ” جيش الشرق ” . تصرّف المستعمر الفرنسي في سورية بشكل مختلف عن المستعمر البريطاني في العراق، لم يقوموا بإنشاء ملكية ووضع ملك من أبناء البلد، حتى ولو كان واجهة أو دمية، بل مارسوا سيطرتهم المباشرة دون ستار. انطلق الفرنسيون من قناعاتهم بالتفوق الحضاري على العرب، ومارسوا سلطتهم متدخلين مباشرة بشؤون حياة السوريين وحاولوا منذ البداية وبالعنف كسر مقاومة الشعب السوري. مارست فرنسا الاستعمارية سياسة “فرق تسد” وجزأت المنطقة إلى ستة دول؛ لكي تتمكن من السيطرة عليها كل على حدة، ولمنع التواصل والتضامن بين فئات الشعب. وكان تقسيم المنطقة يقوم على أساس طائفي، عرقي وديني. منذ البداية أعارت فرنسا منطقة لبنان أهمية خاصة لأسباب إستراتيجية ففصلوها تحت اسم لبنان الكبير، ووضعت له عام 1926 دستوراً خاصاً به. أثارت فرنسا الاستعمارية الصراعات بين السكان في سورية وحاولت تمييز بعض الفئات عن الأخرى وتفضيل بعض الأشخاص عن الآخرين، واعتقد البعض من المتحالفين مع المستعمر أن السلطة باقية لهم. قوبلت السياسة الفرنسية بالرفض الشعبي من كل الفئات. ومع ازدياد الأزمة الاقتصادية انطلقت الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش. أذاع قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش بلاغاً في يوم 23 آب 1925، دعا فيه السوريين إلى تقلّد السلاح، وقال: إن حربنا اليوم حرب مقدسة، وأما مطالبنا فهي:
وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.
قيام حكومة شعبية واجتماع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.
سحب القوات المحتلة من البلاد السورية.
تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.
ما أحوجنا اليوم إلى هذه الإرادة الحرة وهذا الوضوح . في فترة الاحتلال قامت فرنسا بتسليم مناطق سورية الشمالية إلى تركيا ضد رغبة الشعب السوري، ورغم الاحتجاجات الغاضبة التي عمت البلاد. هكذا تلاعبت دولة الاحتلال بمصير شعب كامل. هذا شيء من الماضي بدروسه القاسية، ولكن أليست أوضاع سورية اليوم في ظل الاحتلالات الجديدة أكثر إيلاماً وتمزقا من فترة الاحتلال الفرنسي؟ الوضع الخطير القائم في سورية اليوم يهدّد بتفكيك الوطن السوري وتقسيمه إلى مقاطعات عرقية وطائفية متناحرة مرتهنة في استمرارها لقوى أجنبية.
نحن هنا بدعوة من الآسد” هكذا يبرر المحتل الروسي إدارتهم الفعلية للبلاد. استنجد بهم الأسد للحفاظ على سلطته المنحسرة، ففقد ما تبقّى له من سلطة على الأرض. أدار بوتين الأزمة السورية كما أدارها غورو قبل قرن من الزمن، أيام الاحتلال الفرنسي، بعقلية المستعمر، وبزيادة تقطيع أوصال البلد.
يتضح اليوم أن سيادة الشعب وإنجاز الاستقلال يعنيان رحيل الاستبداد والمحتل معاً، ويتضح أيضاً، أن ثورة الحرية والكرامة هي متابعة للثورات السورية ونضالات الشعب السوري من أجل إنجاز الاستقلال.
كاتب سوري – ألمانيا


























