احتفال بلادنا امس بذكرى الجلاء الزراعي يحمل في طياته الكثير من الدروس والعبر… تحوم كلها حول المعاني الأخرى للجلاء الزراعي التي وجب التركيز عليها وإحراز النصر الشامل والكامل فيها تماما كما حصل حين استعادت الخضراء سيطرتها بالكامل على حقولها ومزارعها التي أرادها المحتلون شوكة في خصر الاستقلال…
في طليعة هذه المعاني نجد الرهان الكبير الموكول لفلاحتنا والمتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي… وفي تأمين الأمن الغذائي على اعتبار أنه مثلما أكد ذلك الرئيس بن علي مرارا «لا استقلال لشعب يأكلمن مزارع غيره أو يأتيه غذاؤه من وراء البحر».
والفلاحة التونسية، وبفضل الاولوية المطلقة التي تحظى بها في سلم اهتمامات الدولة… وفي ضوء الحوافز والتشجيعت الكبيرة والمتنوعة لتشجيع الفلاحين على مزيد العمل والانتاج، حققت قفزات نوعية هامة غيّرت العقلية ووسائل الانتاج… وضخت في هذا المجال الحيوي دماء جديدة من خلال جيل جديد من الفلاحين الذين يستعملون الوسائل والطرق والأدوات العصرية… وهو ما مكّن منتوجات فلاحية تونسية كثيرة من اكتساح أسواق خارجية والتفوّق فيها على منتوجات دول متقدمة؟
لكن هل يكفي هذا لنقول إن فلاحتنا رفعت كل التحديات وحققت كل أهدافها؟ بالطبع لا… لأن التحديات مازالت عديدة ومتنوعة والأهداف التي لم تتحقق كثيرة… وهذه وتلك تحوم حول إنتاجنا من بعض المواد الاستراتيجية ومدى قدرتنا على تأمين حاجياتنا منها… بما يكفل الاكتفاء الذاتي منها ويسدّ الطريق على نزيف العملة الصعبة الذي يتكبده اقتصادنا الوطني كل عام للاستيراد وتغطية حاجيات السوق من هذه المواد.
في طليعة هذه المنتوجات نجد الحليب والبطاطا اللذين أصبحا عنوانا بارزا تقاس به مدى قدرة فلاحتنا على كسب رهان الاكتفاء الذاتي… ونحن نعيش وللأسف، كل عام فصولا مؤلمة مع هذين المنتوجين وما يشهدانه تقريبا من ندرة بين المواسم والفصول… وذلك رغم التشجيعات والحوافز التي توفرها الدولة…
فهل يعقل بعد كل هذا أن تشكو بلادنا ندرة في الحليب؟ وهل يعقل أن نغرق موسميا في أزمة بطاطا؟ وهل عجز العقل التونسي عن وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتخليص اقتصاد البلاد وجيوب العباد من انعكاسات ندرة أو غياب مادة من هاتين المادتين؟
وللاجابة نقول إنه وبالتأكيد وبعد كل العناية الرئاسية الموصولة بالفلاحة وبشؤون الفلاحين… وبعد كل الحوافز والتشجيعات وبعد كل الدعوات الى تحقيق الاكتفاء الذاتي وبلوغ ضفة الأمن الغذائي لم تعد هناك حجة لعدم تحقيق هذه الاهداف… ولعدم الارتقاء بأداء فلاحتنا الى درجة تكون معها قادرة على إطعام كل التونسيين وعلى تحقيق الوفرة بما يمكن من تخفيض أسعار العديد من المنتوجات… ومتى ارتقينا بفلاحتنا الى هذا المستوى نكون قد أعطينا مضامين شاملة وكاملة للجلاء الزراعي…ونكون قد جمعنا بين جلاء المعمّرين المحتلين الفرنسيين وبين جلاء قلة الانتاج وهو ما يدفعنا الى التوريد… الذي هو بمعنى من المعاني «مساس» باستقلالنا وباستقلال قرارنا.
الشروق التونسية




















