حسان حيدر
بعد أيام قليلة من ذكرى اجتياح بيروت في السابع من أيار (مايو) الماضي ومحاولة إخضاعها بالقوة لمنطق سياسي أوحد، لخص مرشح «حزب الله» عن دائرة صور، نواف الموسوي، طريقة تفكير حزبه ومستقبل علاقته بالسياسة عموماً وبمن لا يتفق معه فيها خصوصاً، بقوله إن الذين ينتقدون مواقف الحزب وعمله واستراتيجيته ومفاهيمه، واستبداله نفسه بالدولة وقيامه مقامها، وتغليب مصالحه على مصالحها، وفرض نفسه شريكاً لها في الأمن بقوة السلاح والأمر الواقع، ورقيباً من خارج البرلمان على ادائها، ووصياً على سياستها الخارجية، انما يُكمل عمل اسرائيل التي تستهدف المقاومة وسلاحها!
وتعليقاً على اكتشاف شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، خاطب الموسوي السلطات قائلاً: «أنتم حين تحققون مع العميل الإسرائيلي فتكتشفون أن مهمته التجسس على كوادر المقاومة لاغتيالهم وعلى أماكن سلاح المقاومة لتفجيرها لو خاطبكم هذا العميل بالقول إنني حليف حليفكم لأنكم في خطابكم السياسي تستهدفون المقاومة وسلاحها فماذا ستقولون له؟». وسألت: «ما الفرق بين الاستهداف الأمني للمقاومة والاستهداف السياسي؟».
هذا هو بكل وضوح مفهوم «حزب الله» للعمل السياسي: إما ان يكون رديفاً لسلاحه ومدافعاً عنه وفي خدمته، وإما ان يكون معادياً يسعى الى تغطية عمل العدو الأمني وينزل منزلة «الخيانة» ويتطلب رداً امنياً مناسباً. أليس هذا بالتحديد ما حصل في مثل هذا الشهر قبل عام عندما نزلت ميليشيا الحزب الى شوارع العاصمة لـ «تأديب» المتجرئين على انتقاده، فدمرت وسائل إعلام وأحرقتها وقتلت مواطنين باسم الدفاع عن المقاومة؟
إن إلغاء الفارق بين الوظيفة «الخارجية» للمقاومة (مواجهة الاحتلال)، والتي يفترض ان تكون محصورة ضمن حدود زمنية وجغرافية وتنتفي ببلوغ أهدافها وانتفائها، وبين علاقتها بالداخل الذي يحضنها ويشكل غطاءها السياسي خلال مرحلة تحرير الأرض، يشكل محاولة لتمديد مهمتها بعد انتهائها ولتوسيعها بحيث تشمل لبنان كله بلا أي ضابط.
انه تبسيط يستقي جذوره من الافكار الشمولية والفاشية التي تعتبر ان «كل من ليس معنا فهو ضدنا»، ولا يرى، على غرارها، ضرورة للتعددية ولا فائدة للاختلاف. وهل نعجب من الترويج لفكرة محو الحدود بين الأمن والسياسة والدمج بينهما اذا كان الحزب يستوحي إيران ونظامها السياسي نموذجاً وقدوة. هناك ايضاً تقفل الصحف ويسجن المنتقدون ويضرب المعارضون ويعزلون ويمنعون من ابداء رأيهم ومناقشة خياراتهم، ويسود حكم «الولي الفقيه» الذي لا يرد له طلب ولا يجادل في قرار ولا يمكن انتقاده او مساءلته، يضع المعايير للأشخاص والمؤسسات ويفتي للناس ان يلتزموها مطبقي الأعين ومكتومي الأصوات. ولنا ان نتساءل اذا كنا سنكتشف قريباً وجود «مرشد» بيننا في حال فازت المعارضة في الانتخابات وامتلكت ناصية القرار بكل تفرعاته.
وفي حين يعمل «حزب الله» لإسكات أي صوت لا ينسجم مع سياسته، ينبري حليفه ميشال عون، على العكس، الى اعتبار الصمت «مؤامرة». فيشن هجوماً عنيفاً على الذين «يسكتون» عما ينسب اليه من نيات في حال حقق النتيجة المرجوة في الانتخابات عينها، ويتهمهم بالاشتراك في التآمر عليه، داعيا الصحافة الى لعب الدور الذي يراه لها في الدفاع عنه وتكذيب منافسيه، وتاركاً اللبنانيين محتارين في الاختيار بين الصمت الذي يطالبهم به «حزب الله» والكلام الذي يدعوهم هو اليه.




















