بقيت جوليا دومنا في سدة الحكم والقرار طيلة حياة زوجها الأمبراطور سيفيروس، ومن بعده وريثه ابنها الأمبراطور كركلا الذي حكم روما بعد وفاة والده، وذلك بين العامين 211 و217، وكان لها دور في مساعدة نجلها على قيادة شؤون الإمبراطورية، وعندما توفيت قهراً لمقتل ابنها كركلا، تمكنت من بعدها شقيقتها جوليا ميسا أي المياسة من حكم روما.
ويضم القسم الأول، سيدة ثالثة هي ماوية، بينما يأتي الكاتب في القسم الثاني على تفاصيل ملكات العرب- ملكات قيدار، ملكات الخليج- ملكات عمانا، وملكات الأنباط، ويختتم بباب ملكات من الجزيرة العربية، وهن الملكة يافا، والملكة باسلو، والملكة آصف، وهن غير معروفات على غرار الملكة ملك حلك السبئية ملكة حضرموت.
يميل خلف إلى رأي بعض البحاثة في العصر الحديث، الذين يعزون إلى النظام الأمومي ظاهرة بروز نساء عربيات في حقب تاريخية بعيدة، ووصولهن إلى مراتب عليا في الحكم. ويعد هؤلاء البحاثة أن النظام الأمومي الموروث من الحضارات التي سادت في الشرق القديم، هو السبب في حيازة المرأة العربية هذه المكانة، ويمكن ملاحظة هذه الفرضية بقوة في حالة جوليا دومنا، التي نشأت ضمن عائلة تعطي للمرأة سلطة، ولذلك حين تزوجت شاركت زوجها الامبراطور سيفيروس حروبه، وكانت تنتقل معه في ميادين القتال. وما يؤكد قوة شخصيتها اهتمامها بالسياسة والتشريع، ولذلك حملت ألقاباً مثل “أم مجلس الشيوخ:، “أم المعسكر”، و”أم الوطن”، ويسجل لها المؤرخون اهتمامها بالفكر والفلسفة، واعتثبرت راعية الفلاسفة والادباء، ولديها منتدى يلتقي فيه عدد كبير من أدباء ذلك العصر. وتعد فيلسوفة تقدر النشاط الخطابي وتشجعه، وتركز بشكل خاص على الأسلوب الأدبي الرفيع حسب الفيلسوف فيلوستراتوس، ومن أبرز اهتماماتها الدفاع عن السفسطائيين، ضد الانتقادات التي كانوا يتعرضون لها، ومنها انتقادات الفيلسوف الساخر بلوتارخ.
يتمتع عمل خلف على التاريخ، قبل كل شيء، بالدقة، فهو يجري عادة عملية توثيق وتدقيق للمعلومات، التي تكون موجودة ومبعثرة في مراجع ومصادر بلغات مختلفة. وهو يعتمد بشكل رئيسي على الوثائق والاثار، ولا يعتمد على مصادر الاخباريين العرب، نظراً للأوهام الكثيرة التي تنطوي عليها تلك المصادر، ولأن الغاية الأساسية من كتابتها أدبية، وليست تأريخية، وتجاوز في الوقت ذاته المصادر الدينية مثل التوراة التي لا تعد مصدراً تاريخياً، وهذا ما ساعده على تجاوز الحديث عن الشخصيات ذات الطابع الديني الأسطوري، مثل ملكة سبأ أو بلقيس كما تسميها المصادر العربية. والميزة الثانية أن بعض أعماله يأخذ طابع الكشف والسبق التوثيقي، من ذلك كتابه عن المسرحي السوري أبي خليل القباني، ورحلته إلى أميركا في نهاية القرن التاسع عشر، وعرض بعض مسرحياته هناك، وهو الأمر الذي لم يكن معروفاً لأن تاريخ رائد المسرح العربي لم يخضع لدراسة منهجية جادة من قبل الهيئات المعنية، وينسحب الأمر على كتابه “نشأة المسرح في بلاد الشام”.
ورغم أن ما يقوم به هو جهد فردي لا يحظى بالدعم أو الرعاية من قبل الجهات المعنية، فإن أعماله ذات قيمة خاصة، لما تشكله من إضاءات على صفحات مجهولة من التاريخ العربي من جهة، ومن جهة أخرى التوصل إلى استنتاجات مهمة كالذي يخرج به كتاب “ملكات عربيات قبل الإسلام”، وهو إن دخول العرب في التركيبة الإثنية الرومانية كان له أكبر الأثر في تغيير طبيعة تلك الإمبراطورية التي كانت منتشرة في مساحات واسعة من البحر المتوسط وأوروبا، وتحويلها إلى كيان عابر للثقافات، وهذه مسألة تحتاج إلى دراسات معمقة لا تنهض بها سوى مراكز الأبحاث المتخصصة.
























