ليز دوسيت* – (بي. بي. سي) 20/5/2024
وقف إبراهيم رئيسي قريباً جداً من قمة السلطة في الجمهورية الإسلامية، وكان يميل في عين الكثيرين إلى اعتلاء قمتها.
لكنّ منعطفاً دراماتيكياً قاده إلى مصير مختلف. وقلبت وفاته في حادث تحطم طائرة عمودية يوم الأحد رأسًا على عقب تكهنات متزايدة بشأن من سيحل في نهاية المطاف محل الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي (85 عامًا) الذي كانت صحته محل اهتمام شديدا منذ فترة طويلة.
من غير المتوقع أن يُحدث المصير المأساوي للرئيس الإيراني المتشدد اضطرابًا يُعتد به في اتجاه السياسة الإيرانية أو أن يهز الجمهورية الإسلامية بأي طريقة غير متوقعة.
لكنها ستختبر نظامًا يهيمن فيه المتشددون المحافظون الآن على جميع فروع السلطة، المنتخبة وغير المنتخبة على حد سواء.
تلاحظ الدكتورة سانام وكيل، مديرة “برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في “مركز أبحاث تشاتام هاوس”: “سوف يجعل النظام من وفاته عرضاً هائلاً ويلتزم بالإجراءات الدستورية لإظهار الكفاءة، بينما يبحث عن مجند جديد يمكنه الحفاظ على وحدة المحافظين والولاء لخامنئي”.
سوف يشيد معارضو رئيسي بخروج المدعي العام السابق المتهم بلعب دور حاسم في الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين في ثمانينيات القرن العشرين، وهو ما نفاه؛ وسوف يأملون أن تعجل نهاية حكمه بنهاية هذا النظام. وبالنسبة للمحافظين الحاكمين في إيران، فإن الجنازة الرسمية ستكون مناسبة مشحونة بالعواطف. وستكون أيضًا فرصة للبدء في إرسال الإشارات على الاستمرارية.
إنهم يعرفون أن العالم يراقب. وكما قال البروفيسور محمد ماراندي من جامعة طهران لـ(بي بي سي)، فإنه “على مدى 40 عامًا، في الروايات الغربية، كان من المفترض أن تنهار إيران وتتداعى. لكنها بطريقة ما، بأعجوبة، ما تزال هنا وأتوقع أنها ستظل هنا لسنوات طويلة مقبلة”.
من المناصب الحاسمة الأخرى التي يجب ملؤها الآن المقعد الذي كان يشغله رجل الدين متوسط الرتبة هذا في “مجلس الخبراء”، الهيئة المخولة باختيار المرشد الأعلى الجديد، عندما يأتي أوان هذا الانتقال الأكثر أهمية.
”كان رئيسي خليفة محتملاً لأنه، مثل خامنئي نفسه عندما أصبح المرشد الأعلى، كان شاباً نسبياً، مخلصاً جداً، ومنظراً إيديولوجياً ملتزماً بالنظام وله اسم يتمتع بالاعتراف”، كما تقول الدكتورة وكيل عن عملية الاختيار المبهمة هذه، حيث ينظر إلى عدد من الأسماء على أنها في المنافسة، بما في ذلك نجل المرشد الأعلى مُجتبى خامنئي.
وحتى قبل تأكيد وفاة رئيسي رسمياً، نقل آية الله في منشور على موقع “إكس” أنه “لا ينبغي للشعب الإيراني أن يقلَق. لن يكون هناك أي اضطراب أو تعطل في شؤون البلاد”. ويتمثل التحدي السياسي الأكثر إلحاحاً الآن في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. وقد نُقلت السلطة إلى نائب الرئيس، محمد مخبر. ويجب إجراء انتخابات جديدة في البلاد في غضون 50 يوماً.
سوف يأتي هذا النداء الموجه إلى الناخبين بعد أشهر فقط من كشف الانتخابات البرلمانية التي أجريت في آذار (مارس) عن انخفاض قياسي في نسبة الإقبال في بلد كان يفخر ذات يوم بالمشاركة الحماسية القوية في هذه الممارسة. كما تميزت الانتخابات الأخيرة، بما فيها المنافسة التي جرت في العام 2021 والتي أتت برئيسي إلى الرئاسة، بالإقصاء المنهجي للمنافسين المعتدلين والمؤيدين للإصلاح الذي مارسته هيئة الرقابة.
يقول محمد علي شعباني، رئيس تحرير موقع “أمواج” الإخباري الذي يعمل من لندن: “الانتخابات الرئاسية المبكرة يمكن أن توفر لخامنئي والمستويات العليا في الدولة فرصة لعكس وجهة هذا المسار لإعطاء الناخبين وسيلة للعودة إلى العملية السياسية. ولكن للأسف، لم نر حتى الآن أي مؤشرات على أن الدولة مستعدة، وراغبة في اتخاذ مثل هذه الخطوة”.
ولكن حتى داخل صفوف رئيسي، يبدو أنه لا يوجد خليفة واضح. “هناك معسكرات مختلفة داخل هذه المجموعة المحافظة، بما في ذلك أفراد من بين الأكثر تشدداً وآخرون يعتبرون أكثر براغماتية”، كما يشير حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في “المركز الألماني للشؤون الدولية والأمنية” SWP، وهو مركز أبحاث مقره برلين. ويعتقد عزيزي أن هذا سيزيد من حدة المنافسات الحالية على المناصب داخل البرلمان الجديد وعلى المستويات المحلية.
أيا كان من يرتدي عباءة رئيسي، فإنه يرث أجندة وعرة وقدراً محدوداً من السلطة. فسلطة صنع القرار النهائية في الجمهورية الإسلامية تقع في النهاية على عاتق المرشد الأعلى. كما أن السياسة الخارجية، وخاصة في المنطقة، هي حكر على “الحرس الثوري الإسلامي” الذي يتمتع بسلطة متنامية. ولم يكن الرئيس هو الذي يأخذ زمام المبادرة في اتخاذ القرار قبل أشهر عندما واجهت إيران توترات غير مسبوقة مع عدوها اللدود، إسرائيل، بسبب الحرب المدمرة بين إسرائيل وغزة.
وكان ذلك الوضع قد أحدث جدلاً خطيراً متبادلاً ودق أجراس الإنذار في العديد من العواصم، وأهمها طهران، حول احتمال حدوث دوامة تصعيدية أكثر خطورة. ولكن، بينما كان رئيسي يرأس الأعمال اليومية، كافح الإيرانيون للتعامل مع المصاعب المالية العميقة المرتبطة بالعقوبات الدولية المعوقة، وكذلك من سوء الإدارة والفساد. وقد ارتفع التضخم إلى أكثر من 40 في المائة، وانخفضت قيمة الريال.
في عهد رئيسي، هزت الجمهورية الإسلامية أيضاً موجة غير عادية من الاحتجاجات التي أثارتها وفاة مهسا أميني، الفتاة البالغة من العمر 22 عامًا، في الحجز في أيلول (سبتمبر) 2022. وكانت شرطة الآداب قد اعتقلتها بزعم انتهاكها قواعد اللباس الصارمة في إيران.
وقبل أسابيع من الاضطرابات، كان رئيسي قد أمر بتشديد “قانون الحجاب والعفة” الإيراني الذي يلزم النساء بحسن التصرف وارتداء ملابس محتشمة، بما في ذلك الحجاب.
لكن الاحتجاجات التي قادها جيل شاب من النساء اللواتي انتقدن مجموعة من القيود المفروضة على حياتهن، ركزت غضبها بشكل أساسي على المصادر الحقيقية للسلطة، المرشد الأعلى والنظام نفسه. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن المئات قتلوا في الحملة واعتقل الآلاف.
يقول شعباني: “بعد انتخابه بأقل نسبة إقبال مسجلة في الانتخابات الرئاسية في التاريخ الإيراني، لم يكن لدى رئيسي التفويض الشعبي الذي امتلكه سلفه، روحاني”، في إشارة إلى الزعيم الإصلاحي حسن روحاني الذي تغذت شعبيته الأولية جزئيًا على الاتفاق النووي التاريخي الذي أُبرم في العام 2015، والذي انهار عندما سحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة منه من جانب واحد بعد ثلاث سنوات.
لم تحرز المحادثات غير المباشرة بين إدارة الرئيس بايدن وفريق رئيسي تقدماً يذكر في إحياء الاتفاق. ويوضح شعباني: “لقد تجنَّب (رئيسي) الكثير من الغضب الذي وجهه معارضو الجمهورية الإسلامية إلى روحاني، في ما يرجع جزئياً إلى أنه كان يُنظر إليه ببساطة على أنه أقل نفوذًا وفعالية”.
كما أودى حادث تحطم المروحية أيضاً بحياة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي لعب دوراً نشطاً في محاولة عرض قضية طهران على العالم وإيجاد طرق لتخفيف التأثير المؤلم للعقوبات. وخلال الدبلوماسية العاجلة حول الحرب بين إسرائيل وغزة، كان هو الصوت على الهاتف وبالوجه في الاجتماعات مع حلفاء إيران، وكذلك مع وزراء الخارجية العرب والغربيين الحريصين على تهدئة التوترات واحتوائها.
وعلّق مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى على وفاته بالقول: “كان قناة مفيدة لتمرير الرسائل، لكنها تميل إلى أن تكون صياغية تمامًا لأن السلطة في إيران لا تكمن في وزارة الخارجية”.
وكما يؤكد المحلل اسفنديار باتمانغيليدج، الرئيس التنفيذي لـ”مركز أبحاث البورصة والبازار”، فإنه “عادة ما تكون الوفاة المفاجئة للرئيس حدثاً مهماً، ولكن على الرغم من اعتباره مرشداً أعلى محتملاً، إلا أنه كان يفتقر إلى الدعم السياسي وأي رؤية سياسية واضحة. لكن الفاعلين السياسيين الذين نجحوا في انتخابه سيتكيفون وسيمضون قدُماً من دونه”.
*ليز ماري دوسيت Lyse Doucet: صحفية كندية، وهي كبيرة المراسلين الدوليين لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) ومقدمة برامج أولى. تقدم في “راديو بي بي سي وورلد سيرفيس” و”تلفزيون بي بي سي وورلد نيوز”، كما تقدم تقارير لـ”راديو بي بي سي 4” و”بي بي سي نيوز” في المملكة المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، تصنع دوسيت وتقدم الأفلام الوثائقية.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: What next for Iran after President Raisi’s death?