في تصريح جديد له قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن «ملف السويداء» كان فخًّا وقعت فيه جميع الأطراف، مؤكداً أن إسرائيل استغلّت هذا الملف لتأجيج الانقسام الداخلي وتنفيذ مشاريع توسعية في المنطقة، وإن إسرائيل حاولت فرض واقع جديد في سوريا عبر ممارسات تهدف إلى زعزعة الاستقرار واستثمار التحديات التي تمرّ بها البلاد لصالح مشروعها التوسعي.
يشير الشيباني، على ما يظهر، إلى «اتفاق أمني» جرى اثناء مباحثات بين السلطات السورية والإسرائيلية، في مدينة باكو الأذربيجانية، في تموز/ يوليو الماضي، تحرّكت بعده قوات أمنية وعسكرية سورية إلى مدينة السويداء، جرت خلالها اشتباكات وانتهاكات جسيمة بحق الدروز، وتبعتها ضربات عسكرية إسرائيلية على مبنى الأركان السوري وقرب قصر الرئاسة، وعلى قوات سورية داخل السويداء مما أدى لتكبّدها خسائر كبيرة وانسحابها.
كرّست هذه الأحداث قطيعة كبيرة بين نسبة كبيرة من الدروز والسلطة في دمشق، وعزّزت اتجاها انفصاليا متطرفا قريبا من إسرائيل، كما ساهم حصولها، بعد مجازر سبقتها في مناطق العلويين في الساحل السوري (بعد عملية تمرّد عسكرية لفلول نظام الأسد السابق) إلى تصدّع كبير في النسيج الوطني السوري.
أولى الإشارات التي جاءت على الملابسات التي يشير إليها الشيباني باعتبارها فخا، كانت في تصريح للمبعوث الأمريكي توم برّاك، الذي قال بعد أحداث العنف الخطيرة في السويداء إن «سوء تفاهم» قد حصل، وهو يوحي فعلا بحصول تفاهم مع الإسرائيليين والأمريكيين على دخول القوات السورية إلى السويداء.
غير أنه، وبغض النظر عن إن كان ذلك فخّا إسرائيليا أم لا، فقد كان واضحا أن القوات التي دخلت إلى السويداء، والتي ضمّت قوات أمن وجيش وميليشيات متطوّعة من العشائر، فعلت عكس ما يجب أن تفعله قوات وطنية تحاول فرض سيطرة الدولة: تأمين حياة السكان، وضمان أمنهم وممتلكاتهم وكراماتهم، وساهمت بذلك في نسج فخّ أكبر بكثير مما كانت تطمح له إسرائيل.
بدأ بعد ذلك الخط البياني للاتجاه المتشدد في السويداء يتصعّد، فانتقل من المطالبات باللامركزية والانفصال إلى التناغم التامّ مع الدعايات الإسرائيلية بإطلاق اسم باشان التوراتي على منطقة الجنوب السوريّ، وهو الاسم نفسه الذي استخدمته تل أبيب لبدء عملياتها لتدمير البنى العسكرية السورية مع سقوط نظام بشار الأسد.
تعاملت إسرائيل مع ذلك كهديّة كبرى ورفعت سهم مطالبها، وكان آخر التصريحات في هذا السياق ما قاله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، قبل أيام، إن جيشه سيبقى في المناطق التي قام باحتلالها في سوريا وفي قمة جبل الشيخ، وإنه يريد التوصل إلى اتفاق مع السوريين على نزع سلاح منطقة جنوب غرب سوريا «المحاذية لحدود إسرائيل» و«حفظ أمن الدروز».
يفتح حديث الشيباني الباب لأسئلة حارقة، وعلى رأسها سؤال ماذا فعلت السلطات السورية لتفكيك معطيات ذلك الفخ بعد الوقوع فيه؟ أسئلة عن الخطوات السياسية المقترحة لمعالجة أسباب الإشكالات التي أدت للمجازر في الساحل والسويداء، وعما فعلت السلطات بعد وقوع الأحداث لرأب الصدع مع سكان المناطق التي تعرّضت لانتهاكات، هل أعادت المهجرين إلى قراهم وعوّضتهم عن خسائرهم وممتلكاتهم.
قامت سلطات «سوريا الجديدة» بإنجازات «خارجية» كبيرة، وذلك عبر الانفتاح على دول الإقليم، والمنطقة، والعالم، مما ساهم برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية التي كانت تخنق الاقتصاد وتمنع إمكانيات تقدّم البلاد على كافة الأصعدة.
لكن هذه الإنجازات السياسية الخارجية، التي قدّمت أشكالا من الدبلوماسية والحكمة والمرونة والتنازلات، قابلتها انتكاسات داخلية فظيعة، تراجعت فيها أشكال الدبلوماسية والحكمة والمرونة والتنازلات، وارتفع فيها منطق التغلّب والتسرّع والتصلّب، وهو ما فتح الباب واسعا أمام «الفخ الإسرائيلي» المذكور.
- القدس العربي


























