علقت وزارة الخزانة الأميركية، الاثنين، العمل بجزء من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” لمدة 180 يوماً، في خطوة غير مسبوقة منذ إقرار القانون عام 2019، تزامناً مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
وقالت الوزارة في بيان إن قرار التعليق يستثني بعض المعاملات التي تشمل روسيا وإيران، موضحة أنه يحل محل الإعفاء السابق الصادر في 23 مايو/أيار الماضي.
ويأتي القرار في سياق مسار بدأت به إدارة ترامب منذ أشهر لتفكيك منظومة العقوبات على دمشق، عبر خطوات إجرائية وتشريعية تهدف إلى دفع عملية إعادة دمج سوريا اقتصادياً وسياسياً، وتشجيع الاستثمارات الدولية، مع الإبقاء على العقوبات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان، وشبكات الكبتاغون، والجهات المصنفة إرهابية.
لقاء تاريخي في البيت الأبيض
واجتمع الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الأميركي دونالد ترامب اليوم في البيت الأبيض، في أول زيارة لرئيس سوري إلى واشنطن منذ استقلال البلاد عام 1946، وسط آمال سورية بطي صفحة الانهيار الاقتصادي الذي خلفته 14 عاماً من الحرب والعزلة.
وهذا هو اللقاء الثالث بين الشرع وترامب خلال سبعة أشهر، بعد اجتماعهما في الرياض في أيار/ مايو الماضي، ثم في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر.
وتتصدر الملفات الاقتصادية ورفع العقوبات أجندة الشرع في واشنطن، وفق وكالة “سانا”، التي أشارت إلى أن “قانون قيصر” كان العائق الأكبر أمام انطلاق عملية إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. وقال الشرع، خلال لقائه ممثلين عن منظمات سورية في واشنطن، إن “العقوبات في مراحلها الأخيرة، وعلينا متابعة العمل لرفعها”، مؤكداً الحاجة إلى “جهود السوريين في الداخل والخارج لإعادة الإعمار”.
مسار إلغاء العقوبات
وكان ترامب قد أصدر في 30 يونيو/حزيران الماضي أمراً تنفيذياً بإنهاء برنامج العقوبات على سوريا، لتبدأ بعده خطوات إلغاء “قانون قيصر” عبر الكونغرس، حيث صوّت مجلس الشيوخ لصالح الإلغاء في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، وبات المشروع بحاجة إلى تصويت مجلس النواب وتوقيع الرئيس لاعتماده رسمياً.
وقال ترامب قبل أيام للصحافيين في البيت الأبيض إن “تقدماً كبيراً” تحقق في الملف السوري، مؤكداً أن الهدف هو “منح سوريا فرصة للسلام والازدهار”، ويتوقع أن يسهم رفع العقوبات عن سوريا في تنشيط الاستثمارات الدولية والمشاريع التنموية، في بلد قدّر البنك الدولي كلفة إعادة إعماره بأكثر من 200 مليار دولار.
الإطار الجديد بعد التعليق: ماذا تغير؟
وقدمت وزارة الخزانة الأميركية مذكرة تفصيلية حول الإطار الجديد للتعامل الاقتصادي مع سوريا، أبرز ما جاء فيها، تصنيف “ما أصبح مسموحاً”، وتضمن أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات شاملة على سوريا، وتعليق العمل بقانون “قيصر” جزئياً، باستثناء المعاملات المرتبطة بروسيا وإيران، والسماح بنقل معظم السلع والبرمجيات والتقنيات ذات الاستخدام المدني إلى سوريا دون الحاجة الى ترخيص، وتشجيع الشركات الأميركية والأجنبية على الانخراط اقتصادياً واستثمارياً في السوق السورية.
و”ما بقي محظوراً”، تضمن استمرار العقوبات على بشار الأسد وأفراد من نظامه السابق، ومتورطين بانتهاكات حقوقية، وشبكات الكبتاغون، وكيانات مرتبطة بإيران وتنظيمات متطرفة، واستمرار مراجعة صفة سوريا كـ “دولة راعية للإرهاب”، واستمرار الحاجة الى ترخيص لبعض الصادرات الحساسة المدرجة على قائمة الرقابة التجارية الأميركية.
وأتاحت الخطوات الأميركية خلال الأشهر الماضية إعفاءات لتسهيل التعامل مع مؤسسات الدولة السورية، وتخفيف قيود تصدير التكنولوجيا، إلى جانب رفع اسم الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة “الإرهاب العالمي”.
موقف الخارجية الأميركية
وقبل أيام، أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة ترامب “تدعم إلغاء ما تبقى من العقوبات على سوريا” من خلال مشروع قانون “تفويض الدفاع الوطني” الجاري مناقشته في الكونغرس، مضيفاً أن واشنطن “على تواصل منتظم مع شركائها في المنطقة، وترحب بأي استثمار أو مشاركة في سوريا، بما يتيح لجميع السوريين بناء دولة يسودها السلام والازدهار”.
أولوية الشرع: الاقتصاد أولاً
ومنذ توليه الرئاسة، منح الشرع الملف الاقتصادي أولوية قصوى، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن “الأمن والاستقرار لا يتحققان إلا عبر التنمية”، وأن هدفه هو إعادة سوريا “كوجهة استثمارية رئيسية في المنطقة”.
ويرى مراقبون أن القرار الأميركي يمثل تحولاً استراتيجياً في السياسة تجاه سوريا، إلا أنه مشروط بضوابط واضحة تتعلق بكبح النفوذ الإيراني، وضمان عدم استفادة جهات مصنفة من الانفتاح الاقتصادي، والحفاظ على التوازنات الإقليمية.
- المدن





















