بقي الغموض مسيطراً حتى عصر أمس السبت على خلفيات سقوط صاروخين على حي المزة 86 على طرف العاصمة السورية دمشق مساء أول من أمس الجمعة، وهو الحادث الأول من نوعه منذ إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لا سيما أن الجهات الرسمية لم تتهم جهةً أو طرفاً داخلياً أو خارجياً بالمسؤولية عن هجوم المزة الذي التي جدّد مخاوف من عمليات متنقّلة مماثلة.
وأوضحت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية، في بيان، أن “صاروخين من نوع كاتيوشا” أُطلقا من أطراف المدينة باتجاه الأحياء السكنية في منطقة المزة ومحيطها، ما أسفر عن إصابة عددٍ من المدنيين وإلحاق أضرار مادية بالمكان. وأكدت أنها عثرت على مكان إطلاق الصواريخ “ويجري تأمين الموقع لاستكمال التحقيقات”، مضيفةً أن “فريقاً عسكرياً مختصاً تمكّن من خلال دراسة زوايا السقوط وتجمع الصواريخ من اكتشاف مكان الإطلاق”، وفق البيان الذي قالت فيه أيضاً إن “الاعتداء الغادر على مناطق بالعاصمة دمشق كان بواسطة صواريخ أطلقت من منصة متحرّكة”. من جهتها، قالت مديرية الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة إن الانفجار الذي وقع في المزة “أسفر عن إصابة امرأة بجروح من الدرجة المتوسطة وتمّ نقلها إلى أحد مشافي دمشق”.
جدّد الاستهداف مخاوف سكّان دمشق من عمليات إرهابية هدفها زعزعة الاستقرار وتهديد السلم الأهلي
هجوم المزة… خصوصية المكان والتوقيت
وذكرت مصادر محلية أن الصاروخين استهدفا بناء مؤلفاً من ثلاثة طوابق في حي عين الكروم في منطقة المزة 86 على أطراف دمشق الغربية غير بعيد عن قصر الشعب، المقرّ الرسمي للرئيس السوري أحمد الشرع على جبل المزة، وعن حي الفيلات الذي يضمّ سفارات ومراكز حيوية ورسمية. ولم تُوجه الحكومة السورية حتى ظهر أمس أصابع الاتهام إلى أي طرف داخلي أو خارجي حيال هذا الحادث الأول من نوعه منذ إسقاط نظام الأسد، لكن وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” نقلت عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع تأكيدها أن الوزارة “لن تتوانى عن ملاحقة المسؤولين عن هذا العمل الإجرامي، وستتخذ الإجراءات الرادعة بحق كل من يعبث بأمن العاصمة، ويستهدف حياة السوريين واستقرارهم”.
وكان لافتاً نفي مسؤول إسرائيلي علاقة بلاده بالانفجار الذي وقع في المزة. ونقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان” عن المسؤول الإسرائيلي الذي لم تكشف هويته قوله أمس “إنه لا توجد علاقة لإسرائيل بالهجوم”.
وجدّد هجوم المزة المخاوف لدى سكان العاصمة السورية من عمليات إرهابية هدفها زعزعة الاستقرار وتهديد السلم الأهلي. وجاء الاستهداف بعد أيام قليلة من الإعلان عن انضمام سورية رسمياً إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة. وكان تنظيم داعش قد وجّه تحذيراً للرئيس السوري أحمد الشرع في حال قبوله انضمام سورية إلى التحالف الدولي، والذي تشكل من دول عدة في عام 2014 لمواجهة التنظيم المتطرف في سورية والعراق. وشنّ التنظيم في افتتاحية صحيفته الأسبوعية “النبأ” الصادرة في 16 مايو/ أيار الماضي هجوماً على الشرع، وذلك من خلال مقال بعنوان “على عتبة ترامب”، استنكر فيه لقاءه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض في ذلك الشهر، واعتبره “خيانة للمنهج الجهادي”. وشهدت الفترة الماضية عمليات مشتركة ضد “داعش” بين الحكومة والتحالف الدولي، وذلك في أكثر من منطقة سورية.
ورأى خبير أمني سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن البيانات الرسمية التي صدرت عقب هجوم المزة “لم تشر بشكل واضح إلى الجهة التي يمكنها القيام بهذه العملية”، متّهماً فلول النظام الأسد بالقيام بهذا الاستهداف “غير المسبوق في العاصمة”. وتابع: “يقطن في حي المزة 86 عدد كبير من ضباط النظام البائد من الصف الثالث. ما جرى تحرك من فلول نظام الأسد ومحاولة لإحداث بلبلة أمنية في منطقة ذات خصوصية طائفية، الهدف منه إحراج الحكومة السورية أمام المجتمع الدولي”. وأعرب عن اعتقاده بأن الجهة التي تقف وراء هذا الحادث “هدفت إلى جرّ العاصمة إلى دورة عنف جديدة شبيهة بتلك التي جرت في الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، وتلك التي عصفت بمحافظة السويداء جنوبي البلاد في يوليو/ تموز الماضي”.
خبير أمني: يقطن في حي المزة 86 عدد كبير من ضباط نظام الأسد من الصف الثالث
أدوات بدائية
وحيّ المزة 86 من الأحياء العشوائية في دمشق، وبُدئ بإنشائه منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وكان سكّانه من الطائفة العلوية قبل أن يتوسع أكثر لاحقاً ليضم سكاناً من كل المكونات السورية، من الطبقتين المتوسطة والفقيرة. وشهد الحي اضطرابات أمنية بعد أيام من إسقاط نظام الأسد، بسبب وجود بعض فلول النظام السابق فيه، ولكن سرعان ما استقر، ما خلا حادث تفجير جرى في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي بالقرب من حاجز أمني في الحي، تبنّته مجموعة مجهولة تُطلق على نفسها اسم “سرايا أنصار السنة”. ولم تشهد دمشق دورات عنف منذ إسقاط النظام ما خلا بعض الحوادث التي تُوصف بـ”الفردية”، إلا أن محيطها شهد أكثر من دورة عنف واسعة النطاق ذات بعد طائفي، خصوصاً في بلدة جرمانا في إبريل/ نيسان ومايو الماضيين، وفي بلدة صحنايا أواخر إبريل الماضي، على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء نسب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، وأدى إلى موجة غضب عارمة. وفي يونيو/ حزيران الماضي، شهد حي الدويلعة على أطراف دمشق الجنوبية الشرقية، أول تفجير انتحاري منذ إسقاط نظام الأسد استهدف كنيسة مار إلياس، وأدى الهجوم إلى مقتل 25 شخصاً وإصابة حوالي 60 آخرين، ونُسب إلى “داعش”.
ضياء قدور: القذائف التي أُطلقت “عمياء”، ولم تكن تستهدف مركزاً أو مكاناً بعينه
من جهته، رأى الخبير العسكري والأمني ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هجوم المزة “ليس خرقاً أمنياً”، مضيفاً أن “ما جرى يعد طبيعياً في دولة تمرّ بمرحلة انتقالية”. وأشار قدور إلى أن الأدوات المستخدمة في عملية إطلاق الصاروخين “بدائية”، معرباً عن اعتقاده بأن الهدف من العملية “إيصال رسالة مفادها أن الأمن لم يستتب في سورية”. وبرأيه، فإن القذائف التي أُطلقت “عمياء”، ولم تكن تستهدف مركزاً أو مكاناً بعينه، معرباً عن اعتقاده بأن الجهات المسؤولة عن هذا الهجوم “متضررة من انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب”. ورجّح الخبير وقوف “داعش” أو الحرس الثوري الإيراني وراء حادث مساء الجمعة في المزة.
- العربي الجديد


























