دمشق ـ «القدس العربي»: في وقت حمّلت فيه تركيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مسؤولية تعثر مفاوضات دمج شمال شرق سوريا تحت مؤسسات الدولة في دمشق، دعا مجلس «سوريا الديمقراطي» (مسد) الذراع السياسية لقسد) إلى اعتماد اللامركزية لإعادة بناء الدولة، فيما أكد نائب الرئاسة المشتركة لـ«مسد» علي رحمون لـ«القدس العربي» أن «استقرار سوريا لم يعد بالإمكان ضمانه إلا من خلال اعتماد اللامركزية على الأساس الجغرافي وليس القومي أو الطائفي، كأسلوب لحكم البلاد مع التمسك على مركزية الجيش ووزارة الخارجية، وبما يضمن التنمية وعدم عودة الاستبداد، ويترك تأمين الأمن الداخلي لأبناء الأقاليم السورية التي يمكن الاتفاق على عددها».
جهود نادرة
وعاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لتحميل مسؤولية تعثر مفاوضات إعادة دمج شمال شرق سوريا تحت مؤسسات الدولة في دمشق إلى تنظيم «قسد».
وفي تصريحات له نقلتها وكالة أنباء «الأناضول» أمس اعتبر فيدان أن الجهد الذي تبذله تركيا فيما يخص سوريا، ومساعيها من أجل تحقيق الاستقرار، وعودة اللاجئين، وضمان حصول الإدارة الجديدة على الشرعية الدولية، من الجهود النادرة في التاريخ.
وتوقع أن تتطوّر المحادثات بين دمشق وتنظيم «قسد» إلى «نقطة معيّنة» مشيراً إلى أن من أسباب حدوث التوقفات في المحادثات، انحراف التنظيم بين الحين والآخر عن مساره وبحثه عن فرصة جديدة من خلال أزمة إقليمية جديدة.
وفي تصريحات له خلال مشاركته في برنامج على قناة «أي خبر» التركية، السبت، أشار فيدان إلى أن المسألة الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة ولتركيا هي ضمان ألا تشكل إسرائيل تهديداً لسوريا، وأردف: في الوقت ذاته ألا تكون سوريا مصدر تهديد لإسرائيل، وأن يحترم الجميع سلامة أراضي وسيادة بعضهم البعض.
وقال: هناك أجزاء من سوريا تحت الاحتلال الذي يجب أن ينتهي، ويجب تجنب أي نهج يهدد باقي سوريا، ومن الأهمية بمكان أن تدعم الولايات المتحدة النظام والازدهار والاستقرار في سوريا.
ووصف فيدان إخراج الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة الأمم المتحدة للإرهابيين، بأنه خطوة دبلوماسية مهمة للغاية، وقال إن الدول التي تتابع تطورات المنطقة عن كثب، رأت مدى أخلاقية السياسة الخارجية التركية المتّبعة في سوريا، مؤكداً أن أنقرة تولي أهمية بالغة لمصالح سوريا ووحدة أراضيها ورفاه شعبها والسلام فيها.
مشروع إنقاذ وطني
في حين دعا «مجلس سوريا الديمقراطي» إلى اعتماد اللامركزية لإعادة بناء الدولة.
وذكر بيان نشرته «مسد» على صفحتها الرسمية أمس أن الهيئة الرئاسية «عقدت اجتماعها الدوري في مقر المجلس في مدينة الحسكة، بحضور الرئاسة المشتركة ليلى قره مان ومحمود المسلط، واستعرض الاجتماع «تحديات العملية السياسية، وسبل استئناف الحوار الوطني الجامع باعتباره الطريق الأسلم للخروج من حالة الاستعصاء التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً. وأكد المجتمعون أن اللامركزية ليست خياراً إدارياً فحسب، بل مشروع إنقاذ وطني يعبّر عن الإرادة الشعبية، ويُعد السبيل الأكثر واقعية لإعادة هيكلة الدولة السورية على أسس حديثة ترتكز إلى المواطنة المتساوية والتشاركية والسّلم الأهلي».
ونقل البيان عن قره مان قولها إن «الأولوية يجب أن تتجه نحو تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين الشراكة بين القوى السياسية السورية» مشددة على أن «الوقت قد حان لأن تلعب هذه القوى دوراً محورياً في رسم ملامح المرحلة الانتقالية، بعد عقود من الانغلاق السياسي الذي فرضته المركزية الشديدة وعطّل الحركة السياسية وهمّش دور المكونات السورية».
مسؤول في «مسد» لـ«القدس العربي»: الجيش لا يمكن إلا أن يكون مركزياً
وأكدت أن «التجربة أثبتت أن المركزية كانت أحد أبرز أسباب إضعاف الحياة السياسية وتهميش دور المكونات، ما أدى إلى حالة من الجمود السياسي وتعطّل مؤسسات الدولة. وبيّنت أن رؤية مجلس سوريا الديمقراطية لسوريا المستقبل تقوم على اللامركزية بوصفها النموذج الأفضل لإدارة البلاد، لأنها تتيح إدارة محلية فعّالة، وتحقق العدالة في توزيع السلطات والموارد، وتلبي تطلعات السوريين في المشاركة الحقيقية بصنع القرار».
دور الحكومة الانتقالية
وذكر البيان الصحافي أن قره مان أشارت إلى أن «تعليق العقوبات خطوة مهمة لكنها غير كافية لإحداث اختراق فعلي داخل سوريا، إذ تتطلب المرحلة المقبلة إجراءات وطنية ملموسة من داخل الجغرافيا السورية، وتفعيل دور الحكومة الانتقالية لتكون أكثر التزاماً بالقضايا الداخلية واحتياجات المواطنين» مؤكدةً على «ضرورة الإنصات إلى صوت السوريين وإشراكهم في صياغة القرار الوطني عبر عملية تشاركية وديمقراطية شفافة».
وشددت قره مان على «أهمية اتفاق العاشر من آذار/ مارس (بين الرئيس الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي) باعتباره وثيقة وطنية تتضمن مبادئ جامعة للعمل المشترك، من أبرزها إشراك جميع السوريين دون إقصاء، ونبذ خطاب الكراهية، وفتح الطريق أمام عودة المهجّرين واللاجئين إلى مناطقهم بكرامة وأمان.
وأكدت أن «قسد» تمثّل النواة الصلبة والشريك الوطني في تأسيس سوريا الجديدة، بوصفها قوة محلية تحظى بشرعية مجتمعية وتشكل أساساً في بناء جيش وطني جديد يعكس التوازن السوري ويحافظ على الاستقرار والسلم الأهلي».
لا مركزية جغرافية
في السياق، أكد نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية علي رحمون لـ«القدس العربي» أن ما تسعى إليه «مسد» هو أن تكون سوريا لامركزية على أساس جغرافي، ونعتقد أن شكل الحكم اللامركزي هو الذي يمكن أن يساهم باستقرار البلاد والوصول إلى الحل السياسي، مشدداً على أنه وفي ظل الانقسام الذي حصل وما زال يزداد، فإنه لا يمكن للحكم في سوريا أن يستقر من دون هذه الآلية.
عدم عودة الاستبداد
وأضاف: أن «ما يمكن أن يضمن الاستقرار هو أن تشكل قوى الأمن الداخلي من أبناء المناطق، وأن يقوم الأهالي الذين يعيشون في الإقليم الواحد بانتخاب محافظهم وبما سيساهم بزيادة التنمية، ووفق تلك المعطيات فإن نموذج اللامركزية المفضل هو القائم على الأساس الجغرافي وبما يضمن عدم عودة الاستبداد لأن الحكم المركزي هو استبدادي الطابع».
وفيما يتعلق بالتقسيمات الإدارية وإن كان المطلوب أن تكون المناطق المطالب بإدارتها لا مركزيا هي ذاتها المحافظات الأربع عشرة الحالية، أم يمكن اختصارها، أوضح رحمون أن «الأمر قابل للتفاوض ولا مشكلة لدينا في الأمر بشريطة أن تضمن كل منطقة مشاركة جميع الألوان التي تعيش ضمنها، أما عدد المناطق فقد تكون المحافظات الحالية، أو يمكن أن تصبح سوريا خمسة أقاليم مقسمة جغرافيا وليس طائفيا ولا قوميا».
وإن كان هذا المطلب يشكل خطرا على وحدة البلاد أو قد يدفعها مستقبلا إلى التقسيم، أوضح رحمون أنه «لا بد من التفريق بين الأمن الداخلي والجيش الوطني، فالأمن من أبناء المنطقة ومهمته فقط الحفاظ على الأمن، أما الجيش فمهمته الأساسية حماية حدود الدولة السورية من دون تدخله بالشؤون الداخلية، وألا تكون له علاقة بالأحزاب السياسية والتحزبات، ومستقل، ولكنه مثل وزارة الخارجية فإن إدارته مركزية، وقد تكون له ثكنات في جميع المناطق والأقاليم السورية».
وأكد أن «الجيش لا يمكن إلا أن يكون مركزياً وقيادته وحسب الدستور الذي سيتفق عليه، قد تكون تابعة لوزير الدفاع أو لرئيس الجمهورية ولكن ليس بالتأكيد لأي محافظ أو مجلس بلدي».
في انتظار قرار دمشق
وبيّن أن «المفاوضات الخاصة بعملية الدمج ما زالت في طور الجمود، لكن المؤشرات الصادرة بعد المباحثات التي جرت في أمريكا تبشر بالخير». وزاد: «كان واضحا وجود نوع من الضغط الأمريكي لتسريع عملية الاندماج، وبالتالي تسريع عملية التفاوض، لكن المسؤولين في دمشق، حتى الآن لم ينتهوا من جولاتهم المكوكية السياسية، والكرة ما زالت حتى اليوم في ملعب الحكومة المؤقتة ونحن بانتظارها لتحديد مواعيد جلسات التفاوض».
وأكد أن «ما طُلب في اللقاء الأخير من الوفدين العسكري والأمني لقوات سوريا الديمقراطية، تمت الإجابة عنه، والرد عليه. وتضمنت هذه الردود قوائم بأسماء قادة الفرق العسكرية التابعة لـ«قسد» وهياكلها التنظيمية وتوزعها وانتشارها، واليوم نحن في انتظار تشكيل لجنة من وزارة الدفاع السورية التي وافقت على ضم «قسد» بثلاث فرق ضمن الجيش السوري، لتبادر وتضع آليات الاندماج».
تصريحات «إيجابية»
وبين أن «معظم التصريحات الصادرة أخيراً هي إيجابية تجاه إكمال عملية الدمج، معبراً عن اعتقاده بوجود دور لبعض الدول الإقليمية في إعاقة أو في تأخير عملية الدمج.
واعتبر أن «تاريخ إنجاز الدمج كما جاء في اتفاق العاشر من آذار/ مارس مع نهاية العام الجاري، هو ليس بمقدس، وإنما يرتبط بالتطورات والمستجدات رغم أن النية موجودة عند الطرفين للسير قدماً» مبيناً أن «الخوف هو من الإشكالات الداخلية التي قد تعيق تقدم المفاوضات وتنفيذ الاتفاق، فالمشكلة ليست عند الرئيس الشرع وحكومته، وإنما قد تظهر من بين حلفائه الذين اتفقوا على تشكيل الجيش السوري في مؤتمر النصر، ما سيدفع إلى الانتظار حتى تجاوز مثل هذه الإشكالات وترتيب الأوضاع الداخلية».
- القدس العربي


























