لن يكون غريباً ألا يتردد النظام في التفريط بالتراب الوطني أو المقامرة باللحمة الوطنية أو الذهاب إلى مواجهات يمكن أن تلحق ضرراً كبير المجتمع السوري، لمجرد الشعور بتهديد جدي يمكن أن يقوضه أو يغير من طبيعته، أو حتى يحسنه، فما يسمى ” القائد الخالد “ حين هُدد من قبل تركيا نهاية تسعينات القرن الماضي في أحد آخر فصول حكاية عبد الله أوجلان واستفادة النظام السوري من مواجهته ضد الأتراك، لم يفوت الأتراك الفرصة لفرض شرط من خارج النص والموضوع يتعلق بلواء اسكندرون لإبرام التسوية المطلوبة، عندها فوض الأسد الأب علي مملوك (رئيس جهاز المخابرات العامة) في التوقيع (إن اضطر) كما قيل – على إقرار باسم السوريين جميعاً بعدم المطالبة بلواء اسكندرون مستقبلاً، وهذا ما كان وخلال ساعات مسح لواء اسكندرون من أدبيات النظام ولم يعد اللواء السليب، ولم يعد سورياً ، وهذا ما لم تقدم عليه أي سلطة سورية على الإطلاق منذ سلخ اللواء عام 1939 بما فيها أسوء الأنظمة الانقلابية التي رعتها وأشرفت بشكل مباشر وشبه علني على اختطافها للسلطة أجهزة مخابرات عالمية، قال الشعب السوري يوماً أن فرنسا دولة الانتداب عندما تنازلت عن اللواء لتركيا (أعطى من لا يملك لمن لا يستحق)، تساءل السوريون بعد أن بصم علي مملوك (هل أعطى الآن من يملك لمن يستحق؟).
واليوم بعد كل حفلات ومسيرات التآخي ووصف العلاقات السورية التركية بالثابتة والمصيرية والقدرية التي يفرضها التاريخ والجغرافية، يعود السوريون إلى حفلات الردح الإعلامية التي تحدثنا عن تاريخ العثمانيين الدموي في بلادنا ويتبنى (إعلام النظام الحكومي وغير الحكومي) قضية مذابح الأرمن، وناغورني كاراباخ، وربما قضية القبارصة اليونانيين، بل ربما يستحضر ويعاد بث مسلسل أخوة التراب للمخرج (الوطني) نجدت أنزور… والملفت هنا هو التذكير من قبل بعض جهابذة النظام أنهم لم يكونوا موافقين على الانفتاح الاقتصادي أحادي الجانب الذي ساعد الأتراك على كسب أسواق جديدة على حساب منتجات السوريين الأقل جودة!، مما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة؟!. ولكنهم لم يجادلوا حينها، لأنها إرادة القائد المفدى!. يستدركون .. ولكن مع هذا كان القائد المفدى مصيباً فقد أراد توريط الأتراك في التواجد ضمن الاقتصاد السوري!!. ولكنهم – أي الأتراك – (طلعوا كخ) .
الأتراك تورطوا، نعم، ولكن في استراتيجيتهم، إستراتيجية ملئ الفراغ أو على الأقل الفوز بجزء منه، وتوظيفه كقيمة مضافة في وزنهم الدولي والإقليمي وعلاقاتهم الدولية، وبشكل خاص في مفاوضاتهم مع الإتحاد الأوربي، في توافق قل نظيره بين أحزاب المعارضة والحزب الحاكم في تركيا بل دون أن يعترض أحد منهم على انعقاد مجلس الأمن القومي التركي لمناقشة الوضع في سورية، لهذا كان من المنطقي ألا يترددوا في إعلان مواقفهم المحرجة لنظام من شاكلة نظام آل الأسد، فترفع أعلامهم في المدن السورية ويهتف باسم زعيمهم أردوغان، هم استثمروا في أزمة النظام و استعصاءاته وكسبوا، واليوم أيضاً لن يفوت الأتراك الفرصة الجديدة، ولن يجعلوا سادية النظام وأزلامه، وتحالفاته، وحساباته الطائفية، تنسف كل ما خططوا له وبنوه في إستراتيجيتهم، وهاهم يحاولون الاستثمار في أهل الحرية من السوريين. وفي الغباء التاريخي للنظام!. هذا هو الفرق الجوهري بين الدول التي تملك مؤسسات واستراتيجيات وبين أنظمة عائلية استبدادية تسطو على بلدانها كالنظام السوري.
الآن ، بعد أن أعلن الأتراك عن جاهزيتهم السياسية والعسكرية لأسوأ السيناريوهات المحتملة في سورية ماذا لو وجد الأتراك أن مصالحهم تقتضي الدفع بحشد عسكري على الحدود بمواجهة (خربة الجوز) أو غيرها ؟ هذا ما هدد به أو سربه بعض إعلامهم…وماذا سيكون الموقف المحتمل لحفائهم في حلف الناتو ؟ وماذا لو نفذ الأتراك تهديدهم بإقامة مناطق عازلة – يسرب البعض أنها قد تصل إلى دير الزور جنوباً – هل سيطلب النظام من السوريين الذي نكل بهم لمدة تزيد عن تزيد عن أربعين عاماً، وأوغل في دمائهم ما زاد عن مائة يوم متصلة، ارتقى فيها أكثر من ألف وسبعمائة شهيد، وأضعافهم من الجرحى، وأضعاف أضعافهم من المعتقلين الذين عذبوا بطريق ترفض السادية أن تضعها تحت عنوانها، وآلاف المهجرين المحتمين في دول الجوار وأغلبهم في تركيا نفسها فهل سيطلب النظام منهم أن يساندوه ضد حلفاء الأمس القريب (الأتراك) ؟.
الأهم من كل هذا، ماذا سيكون موقف الشعب السوري من تدخل كهذا؟.
وترى ، كيف سيعالج السوريون قضية اللواء السليب يوماً بعد (نخوة) الأتراك ، وبصمة علي مملوك؟.




















