المصدر: فورين بوليسي
بقلم: ستيفن كوك
ترجمة: عبد الحميد فحّام
هناك خيط واحد يربط نهج البيت الأبيض بالمنطقة، من سورية إلى المملكة العربية السعودية.
يحتاج الرئيس جو بايدن إلى إستراتيجية للشرق الأوسط – على الأقل هذا ما قاله العديد من المحللين في مجموعة متنوعة من المنشورات، بما في ذلك هذا المنشور. وغالبًا ما يعكس الاتهام بأن الإدارة “ليس لديها إستراتيجية لـ أي دولة” الاختلافات الأيديولوجية للكاتب مع إدارة بعينها في البيت الأبيض بدلاً من الغياب الفعلي لإستراتيجية. ويميل النقد إلى أن يكون تمثيلاً لفكرة “الإدارة لا تتبع سياستي المفضلة”.
يذهلني أن بايدن لديه إستراتيجية للشرق الأوسط. وهذا يعني أنه هو ومستشاريه درسوا المشكلات الإقليمية، وقاموا بدراسة كيفية تقاطعها مع مصالح أمريكا، وما هي الموارد المتاحة للولايات المتحدة، وما هي تكاليف اتباع مجموعة متنوعة من السياسات. والنتيجة هي إستراتيجية يمكن وصفها بأنها “براغماتية لا ترحم”.
ربما تكون البراغماتية القاسية أوضح ما يكون في سياسات إدارة بايدن في سورية واليمن. فبناءً على تصريحات الرئيس خلال ترشحه للبيت الأبيض، كان المرء يتوقع منه أن يقوم بدور أكثر فاعلية في سورية. لم تكن حملة “بايدن-هاريس” 2020 قد قدمت خطة مفصلة للتعامل مع الحرب في سورية، ولكن عندما تحدث المرشح عن القضية، أشار إلى نهج قوي. وقد هاجم بايدن الرئيس دونالد ترامب لعدم فهمه البيئة الجيوسياسية، موضحاً أن نية ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية ستفيد نظام الأسد وإيران، فضلاً عن ترك الإسرائيليين يعتمدون على الروس من أجل أمنهم. وبالطبع، فمن النادر أن تتماشى خطابات الحملة مع السياسة بمجرد أن يؤدي الرئيس اليمين الدستورية. وبينما كان يستعد للترشح للرئاسة في عام 1988، كان نائب الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش قد أخبر رئيس الوزراء السوفيتي ميخائيل غورباتشوف أن يتجاهل “الخطابة الفارغة” التي كان سيسمعها بينما كان بوش يرغي ويزبد خلال حملته الانتخابية.
فبدلاً من النهج المتشدد تجاه سورية الذي أشار إليه بايدن، فقد خلص على ما يبدو إلى أن خفض التصعيد يخدم بشكل أفضل مجموعة من الأهداف الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع السوري وأوسع نطاقًا من الحرب الداخلية. وهي تقوم على الاعتراف الضمني بأن بشار الأسد قد انتصر ولا يمكن لأي شخص أن يفعل شيئاً حيال ذلك. ويعتقد فريق بايدن على ما يبدو أنه من خلال التصالح مع هذا الواقع، ستحظى الولايات المتحدة بفرصة أفضل للحصول على المزيد من المساعدة للأشخاص في سورية الذين يحتاجون إليها، ومساعدة اللبنانيين الفقراء، وتغيير العلاقات مع روسيا (على الرغم من أن هذا الأمر يتطلب الآن المزيد من الفعل في أوكرانيا أكثر من أي شيء آخر)، وإبعاد السوريين عن الإيرانيين.
ولتحقيق هذه الغايات، لم تكن إدارة بايدن شديدة الانتقاد – أو انتقادية على الإطلاق – عندما اتصل الملك عبد الله ملك الأردن ببشار أو عندما زاره وزير الخارجية الإماراتي في دمشق في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر). يبدو أن خطة الزعيم الأردني لاستعادة السيادة والوحدة السورية تتماشى مع نظرة بايدن الشاملة، على الرغم من أن البيت الأبيض لم يوافق على خطة الملك.
وبحسب ما ورد شارك دبلوماسيون أمريكيون في جهود لاستخدام خط الغاز العربي لإرسال الغاز المصري إلى الأردن ثم إلى لبنان عبر سورية، مما يوفر الإغاثة للبنانيين الذين أُجبروا على التعامل مع الكهرباء المتقطعة (من بين العديد من الصعوبات). وقد ترك هذا أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين، الذين سعوا إلى محاسبة الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها، يتساءلون بصوت عالٍ عن سبب وقوف إدارة بايدن جنبًا إلى جنب مع الدول العربية، بما في ذلك مصر والجزائر والبحرين وعمان ولبنان وتونس بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن، لإعادة تأهيل النظام في سورية.
لا يحتاج المرء إلى الاتفاق مع ما تفعله الإدارة في سورية، لكن من الواضح أن هناك إستراتيجية أساسية.
إن براغماتية بايدن القاسية في سورية تتماشى مع المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب، ومكافحة انتشار الأسلحة الكيميائية، والأمن الإسرائيلي، وحقوق الإنسان من خلال البحث عن طرق لزيادة تدفق المساعدات. هل يعالج ذلك السبب الجذري للمشكلة؟ الجواب “لا”. هل أسبابهم هي مدعاة للشك؟ الإجابة “نعم بالطبع”. يجب على أي مراقب موضوعي أن يعترف بأن الأسد لم يتعامل أبدًا مع قضية المساعدات بحسن نية، وغالبًا ما فعل ما يكفي لإبقاء خصومه في مأزق مع الاحتفاظ بالقدرة على مواصلة السياسات الخبيثة. ربما تكون إستراتيجية بايدن سيئة، لكنه في الحقيقة لديه إستراتيجية.
اليمن هو المكان الآخر الذي تتضح فيه براغماتية بايدن القاسية. كان هناك الكثير من الغضب بين مجموعات حقوق الإنسان والأعضاء التقدميين في الكونغرس عندما صوّت مجلس الشيوخ لصالح صفقة أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للسعوديين. وقالت الإدارة إن البيع كان من أجل “أسلحة دفاعية”، لكن معارضي الصفقة رفضوا بشدة وقالوا بعد صوابية تلك الصفقة فهم لديهم وجهة نظر مفادها أنه “غالبًا ما يعتمد ما تسميه السلاح الدفاعي إلى الجهة المراد قتالها”.
إن جماعة الحوثيين البغيضة التي تشارك في تحمل المسؤولية عن معاناة اليمنيين ستثبت أن هجماتهم الصاروخية والطائرات المُسيّرة على الأراضي السعودية دفاعية. وقد يختلف السعوديون، المسؤولون أيضًا عن معاناة اليمنيين، على اعتبار أن غاراتهم الجوية في اليمن دفاعية أيضًا. هذا النوع من الغموض الدلالي هو الذي يساهم في براغماتية بايدن القاسية. وحتى كبار منتقدي المجهود الحربي السعودي مثل السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت) صوّتوا لصالح صفقة الأسلحة لأنه، كما زعم، فإن الأسلحة المتجهة إلى المملكة العربية السعودية ستساعد البلاد في الدفاع عن نفسها.
بالطبع، هناك المزيد يحدث هنا، على الأقل بالنسبة للإدارة. فقطع إمدادات الأسلحة عن السعوديين لن يوقف الحرب في اليمن. قد يجعل الأمر أكثر صعوبة بعد مرور بعض الوقت، لكن الصراع في اليمن لن ينتهي بقانون من الكونغرس. فسياسة إدارة بايدن تقوم على هذا الواقع وعلى الاعتراف بأنه من الصعب للغاية تحويل السعودية إلى دولة منبوذة. ومنذ مقتل جمال خاشقجي، والتدخل في اليمن، والكشف عن انتهاكات سعودية أخرى لحقوق الإنسان، وثورة الطاقة في الولايات المتحدة، كان الرأي السائد بين محللي السياسة الخارجية في واشنطن وأعضاء الكونغرس هو أن هناك فرصة لتغيير علاقة الولايات المتحدة والسعودية القائمة على أن الرياض بحاجة إلى واشنطن أكثر مما تحتاج واشنطن إلى الرياض، وهذه الحقيقة تمنح الولايات المتحدة نفوذاً. مثل كل شيء آخر في الحياة، فإن العلاقة الأمريكية السعودية أكثر تعقيدًا. ويحتاج كِلا البلدين لأشياء مختلفة وغالبًا في أوقات مختلفة.
فالصراع في اليمن مروّع وازداد سوءاً بسبب التدخل السعودي في عام 2015. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، فإن لدى بايدن مشكلة أخرى تقلق بشأن ذلك تتشابك مع سياساته ومصالحه الوطنية: التدفق الحر للنفط وقدرة السعوديين على التأثير في سعر ذلك النفط، وبالمقابل ما يدفعه المستهلكون الأمريكيون عند ضخه. وقد أثار محللون قلقهم بشأن استقرار شبه الجزيرة العربية وتهديدات للممرات المائية الإستراتيجية مثل مضيق المندب والبحر الأحمر نتيجة انتصار الحوثيين، لا سيما بالنظر إلى صلاتهم بإيران. كل هذا صحيح ومهم، لكن في سياق مبيعات الأسلحة هناك حاجة للحصول على مساعدة السعودية. ويود بايدن أن تضخ المملكة العربية السعودية المزيد من النفط لأنه يُقتل سياسياً بسبب التضخم وارتفاع أسعار الغاز.
بالنسبة إلى نشطاء المناخ، هذا أمر غير أخلاقي بالرغم من أنه بقدر ما سيتغير المشهد فيما يتعلق بالطاقة، والذي لن يحدث بالسرعة أو بالترتيب الذي يرغب دعاة حماية البيئة في إدراكه. وإلى أن يحدث تحوّل ثقافي في الولايات المتحدة حيث يتوقف الأمريكيون عن الاعتقاد بأن لديهم حقّاً إلهيّاً في القيادة في شاحنات كبيرة وسيارات دفع رباعي مليئة بالغاز الرخيص، ستظل المملكة العربية السعودية دولة مهمة.
لا يوجد شيء تثقيفي أو بطولي في البراغماتية القاسية لبايدن، لكن السياسة الخارجية غالبًا ما تدور حول اتخاذ قرارات مشبوهة أخلاقياً. ومع ذلك، فإن لبايدن وفريقه الفضل في ذلك. فهم على عكس منتقديهم، منخرطون في التفكير الإستراتيجي.
“نداء بوست”