ركزت مواقع بحثية واستراتيجية إسرائيلية على قراءة الزيارة الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، تكتيكياً واستراتيجياً، مروراً بمحاولة التأثير على طريقة العمل الأميركية والغربية مع سوريا الجديدة، عبر تقديم توصيات بشأن الطريقة “المُثلى” للتعامل الدولي معها، بحجة أن إسرائيل “الأكثر خبرة ودراية” بالمنطقة العربية، و”الأقدر” على تفكيكها سياسياً وأمنياً ونفسياً واجتماعياً!
“ما وراء المصافحات”!
وحاولت رئيسة قسم الأبحاث الأمنية في موقع “علما” المقرب من الاستخباراتية الإسرائيلية ساريت زهافي، في مقالٍ لها، التشكيك في نوايا الرئيس السوري، بقولها “قد نستيقظ قريباً على اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، غير أن الطابع الرمزي لزيارة الشرع إلى الولايات المتحدة يفرض علينا أن ننظر إلى ما وراء المصافحات، وأن نُمعن النظر في شخصية الرجل الذي يقف في هذه الدبلوماسية الجديدة”.
وأبدت زهافي تساؤلات بشأن مدى تغير أيديولوجية الشرع “الجهادية” الداعية إلى إقامة دولة إسلامية في كل مكان، وقدمت نفسها خبيرةً بالإسلاميين “الساعين” إلى تحقيق هدفهم عبر وسيلتين: الأولى “السيطرة” على الحياة المدنية، وثانياً “الخداع” التكتيكي.. زاعمةً أن مركز القوة للدولة السورية الجديدة تعتمد على مقاتلين وقادة “جهاديين”.
لكن رئيسة قسم الأبحاث الأمنية الإسرائيلية ساريت زهافي عادت وأقرّت بإمكانية استنتاج “بعض الإيجابيات” من انخراط الغرب خصوصاً أميركا في سوريا الجديدة، أبرزها ما وصفتها “المصلحة المشتركة” ضد إيران وتنظيم “داعش”، غير أنها عادت وحذرت من أن “نخدع أنفسنا، فنحن لا نتعامل مع ثوريّ على النمط الفرنسي؛ بل مع زعيم مشكوك في قدرته على الانفصال عن المتشددين، حتى لو أراد ذلك”.
مساعٍ إسرائيلية لرسم حدود دعم سوريا الجديدة
أما الباحثة المتخصّصة في قضايا الأمن القومي زوي ليفورنيك، فقد طرحت نفسها كـمُنظّرة لشكل الانخراط الدولي المطلوب في سوريا، مبينة أنه لا يكفي رفع العقوبات ومنحها تسهيلات، وأن “المال وحده لا يضمن” الطابع السياسي المستقبلي لهذا البلد.
وهنا، أوصت ليفورنيك بضرورة انخراط “الغرب” تحت عنوان “التدخل البنّاء” في بناء سوريا على نحو يضمن “عهداً جديداً حقيقياً” يلبي مصالح إسرائيل والغرب، معتبرةً أن رفع العقوبات المُمهّد لتقديم مساعدات وإقامة استثمارات في سوريا، يُبرز ما وصفته “تحدي إعادة الإعمار” الذي يواجه النظام السوري الجديد، ليس اقتصادياً فحسب؛ بل أمنياً ومؤسساتياً وسياسياً واجتماعياً أيضاً، على حد قولها.
شروط واضحة.. لا “شيك على بياض”
وأشارت ليفورنيك إلى أن سوريا تقع في قلب صراع بين قوى خارجية متعددة، يحاول كل منها تشكيل مستقبلها وفق مصالحه، وهو ما عدّته مؤشراً على أن رفع الدول الغربية العقوبات وتقديم المساعدات الاقتصادية لسوريا لن يكون كافياً وحده لاستقرار دمشق والمنطقة، إنما بمشاركتها في عملية بنائها، ووضع معايير وشروطاً “واضحة” للمساعدات بدلاً من “منح شيك على بياض لنظام الشرع كما يبدو اليوم”، وهي جملة عكست جوهر النقد الإسرائيلي لكيفية تعامل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الشرع الذي استقبله في البيت الأبيض بحفاوة.
ويُفهم من مقال الباحثة الإسرائيلية المتخصّصة في الأمن القومي، أن إسرائيل لا مانع لديها من مساعدة أميركا والغرب لسوريا الجديدة؛ لمنع عودة إيران، إنما تحاول هندسة شروط هذه المساعدة ومعاييرها، لضمان جعل مستقبلها السياسي “رهينة التحكم الإسرائيلي والأميركي”، وعدم فقدان السيطرة على سوريا مستقبلاً ومنعها من التغريد في سرب آخر، بمنظور دوائر تل أبيب الأمنية والاستراتيجية.
إسرائيل شاركت بتحديد مواضيع البحث بين ترامب- الشرع؟
والحال أن الدولة العبرية حاولت التأثير على مجرى محادثات ترامب مع الشرع حتى اللحظة الأخيرة، بأكثر من وسيلة، وهذا ما كشفه سفير إسرائيلي سابق لتلفزيون “مكان” العبري، بقوله إنه أجرى اتصالات مع مسؤولين أميركيين وبعث برسائل إلى واشنطن في الأيام الماضية، للاستفسار عن مواضيع البحث بينهما، كما قدم توصيات لـِ “انتزاع” إجابات من الشرع بخصوص الجنوب السوري والأقليات وأمور أخرى.
في حين اعتبر مقال إسرائيلي آخر أن ما وصفه “التحالف الجديد” بين ترامب وأحمد الشرع، “قد يغيّر خريطة الشرق الأوسط”، معتبراً أن الانتقال السريع للشرع خلال 11 شهراً فقط من هدف للاغتيال من قبل أميركا إلى ضيف رسمي في البيت الأبيض، يُبرز مدى تغير التوازن الإقليمي بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفق قوله.
ونقل المقال عن مصادر أميركية، بأنه بالرغم من الابتسامات والمشاهد اللافتة التي جمعت ترامب والشرع في المكتب البيضاوي، إلا أن واشنطن قدّمت وراء الكواليس “قائمة صارمة” من المطالب، أبرزها عدم إقامة علاقة مع إيران ومحاربة أي نشاط لـِ “خلاياها السرية” في سوريا، إلى جانب حث دمشق على السعي نحو اتفاق أمني مع إسرائيل.
ووفق المقال المذكور، فإن إسرائيل تلقت من الإدارة الأميركية تحديثاً كاملاً بخصوص تفاصيل ما جرى بين ترامب والشرع في الغرفة المغلقة بعيداً عن الإعلام.
إسرائيل لا تستعجل الاتفاق!
ورصدت “المدن” أيضاً تحليلات إسرائيلية، أكدت أن تل أبيب ليست على عجلة من أمرها لعقد اتفاق أمني مع سوريا، بدعوى أنها تواصل نشاطها العسكري بحرية تامة في هذه المرحلة، ولا تريد اتفاقات تقيّدها، إلى جانب ادعائها بوجود “مصلحة مشتركة” مع النظام السوري الجديد، في محاربة أيّة خلايا إيرانية في الأراضي السورية، ومنع تهريب السلاح لحزب الله.
في حين، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن نحو 4 لقاءات مباشرة جرت بين وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومسؤولين سوريين على رأسهم وزير الخارجية أحمد الشيباني، وأن لقاء خامساً سيُعقد بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن. لكن قراءات إسرائيلية استبعدت إمكانية إبرام اتفاق أمني قريباً، بالرغم من رغبة ترامب الدفع نحو ذلك.
- المدن





















