أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اليوم الإثنين، تقريراً يتضمّن توصيات حول الخطوات اللازمة لتحقيق العدالة الشاملة في سوريا.
وقد شمل التقرير جملةً من التوصيات الأساسية الموجّهة إلى السلطات في سوريا وشركائها الدوليين وجميع الدول، أبرزها:
- إعطاء أولوية للعدالة الشاملة: دعم مسارات عدالة مستقلة ومنصفة للضحايا والناجين من الجرائم الدولية المرتكبة خلال النزاع، بغضّ النظر عن هوية الجناة، وذلك من خلال إشراك الضحايا والناجين والمجتمع المدني والخبراء في تصميم آليات المساءلة المحلية والدولية وتنفيذها.
- تعزيز التعاون مع آليات العدالة الدولية القائمة: ضمان تعاون فعّال ومتبادل بين السلطات السورية والهيئات الدولية المعنية، بما في ذلك أجهزة الأمم المتحدة، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لها، إضافة إلى السلطات الوطنية في الدول التي تنظر في قضايا مرتبطة بسوريا ضمن إطار الولاية القضائية العالمية أو غيرها من أشكال الولاية العابرة للحدود.
- إجراء إصلاحات تشريعية والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية: العمل على إصلاحات قانونية شاملة وفي الوقت المناسب، تشمل تطوير نظام الاحتجاز ودعم ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية، بالتزامن مع انضمام سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية ومنحها اختصاصاً يشمل الجرائم الماضية.
- بناء إرادة سياسية وشراكات داعمة للعدالة: دعوة الدول الداعمة للآليات الدولية الخاصة بسوريا، ومنها الآلية الدولية المحايدة والمستقلة والمؤسسة المستقلة للمفقودين، لعقد اجتماعات دورية ووضع خيارات عملية لتحقيق العدالة، والتنسيق مع السلطات السورية والمجتمع المدني والأمم المتحدة والجهات المعنية.
سياق ما بعد سقوط نظام المخلوع والالتزامات القانونية:
وأكّدت المنظمة أن سقوط نظام المخلوع بشار الأسد ونهاية أكثر من ستة عقود من حكم “حزب البعث”، يوفران فرصة غير مسبوقة لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب على الجرائم الجسيمة.
وأشارت إلى أن بناء مستقبل يحترم حقوق الإنسان يتطلّب معالجة شاملة لانتهاكات جميع الأطراف خلال 14 عام من الثورة السورية، وهي مطالب ظلّ السوريون يعبّرون عنها داخل البلاد وخارجها، قبل وبعد سقوط النظام.
وشدّدت “هيومن رايتس ووتش” على التزام السلطات الجديدة، بموجب القانون الدولي، بالتحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة ومساءلتهم بحق الشعب السوري، مؤكدةً أن تحقيق العدالة عنصر أساسي لحماية حقوق الضحايا والناجين وعائلاتهم، وركيزة مهمة لاستقرار الدول الخارجة من النزاعات وإنهاء دوامات العنف الناتجة عن الإفلات من العقاب.
“خطوات السلطات السورية نحو المساءلة والتحديات أمام العدالة المحلية”
وأشارت إلى أن السلطات السورية أعلنت نيتها المضيّ قدماً في مسار المساءلة، وإن كان حالياً يقتصر على الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع، مع تضمين مفهوم العدالة الانتقالية في الإعلان الدستوري وإنشاء لجنتين محليتين معنيتين بالانتهاكات.
كذلك، رحّبت بالقضية التي رفعتها هولندا وكندا أمام محكمة العدل الدولية ضد “الأسد” على خلفية انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب، مؤكدةً أن هذه الخطوات، رغم أهميتها، تحتاج إلى إجراءات عملية تعزّز العدالة لجميع الضحايا.
وأوضحت أن المسؤولية الأساسية في تحقيق العدالة تقع على عاتق السلطات الوطنية، وأن المحاكمات المحلية يمكن أن تشكّل نقطة تحوّل في كشف حقائق الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، نظراً لتأثيرها المباشر على المجتمعات المتضررة.
لكنّها حذّرت من أن ضعف الإمكانات أو غياب الإرادة السياسية قد يعوقان هذه الملاحقات، مؤكدةً أهمية توجيه السياسات المستقبلية وفق تقييم واقعي لإمكانات تحقيق عدالة مستقلة ونزيهة.
الاستفادة من تجارب العدالة الدولية ودور المجتمع المدني
وبيّنت “هيومن رايتس ووتش” أن تجارب العدالة الدولية تُظهر تنوّعاً كبيراً في تصميم آليات المساءلة فيما يتعلق بالولاية والاختصاص والتكوين والعلاقة بين الأنظمة الدولية والمحلية والتمويل، وأنه لا يوجد نموذج واحد يناسب جميع الحالات.
ومع ذلك، يمكن للدروس المستفادة من سياقات أخرى في العالم، بما فيها من بلدان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن تقدّم رؤى مهمة حول التحديات والخيارات المناسبة للسياق السوري.
ورغم صعوبة المرحلة المقبلة، أكدت المنظمة أن منظمات المجتمع المدني السورية والدولية، بدعم عدد من الدول والهيئات الدولية، أسست قاعدة متينة يمكن البناء عليها لتحقيق المساءلة. ويستند التقرير إلى سنوات من توثيق هيومن رايتس ووتش للانتهاكات في سوريا، إضافة إلى مقابلات أُجريت، بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2025، مع ممثلين عن المجتمع المدني ومجموعات الضحايا.
وتوضح المذكرة أن تحقيق العدالة الشاملة بقيادة سورية يتطلب التزاماً سياسياً طويل الأمد، وأن التركيز الحالي ينصبّ على المساءلة الجنائية الفردية عبر محاكمات مستقلة وعادلة، وهو أحد عناصر العدالة الانتقالية التي تشمل أيضاً الحقيقة، جبر الضرر، حفظ الذاكرة، ضمان عدم تكرار الانتهاكات، مشدّدةً على ضرورة إنشاء مؤسسات جديدة تلبّي احتياجات الضحايا، بما في ذلك معالجة آثار الجرائم المستمرة مثل الاختفاء القسري.
في الختام، يشدّد التقرير على أن أي جهود لتحقيق العدالة، سواء الجنائية أو الانتقالية، ينبغي أن تُنفّذ ضمن إطار إصلاحات أوسع في سيادة القانون، لضمان بناء سوريا المستقبل على أسس راسخة تراعي حقوق الإنسان، وأن تُدار الملاحقات القضائية للجرائم الدولية الجسيمة بما يتوافق مع المعايير الدولية.
- تلفزيون سوريا


























