اللجنة الوطنية السورية للتحقيق في أحداث مأساوية دامية شهدتها محافظة السويداء، أواسط تموز/ يوليو الماضي، أعلنت جملة من النتائج التي خلصت إليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وقالت إنها ملتزمة بكشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات وضمان العدالة للضحايا والمتضررين.
وهذه خطوة أولى متقدمة على طريق طويل وشائك ومعقد، يفسر طلب اللجنة تمديد عملها ثلاثة أشهر أخرى، بالنظر أيضاً إلى أن مجموعات الشيخ حكمت الهجري والأطراف العسكرية المتشددة منعت اللجنة من دخول مدينة السويداء، وبالتالي حُجبت عن التحقيق وقائع كثيرة شهدت تورّط ميليشيات انفصالية درزية وأخرى تابعة لبعض العشائر، إلى جانب عناصر من الجيش النظامي وقوى أمنية وفصائل جهادية.
ومما له دلالة حقوقية إيجابية بدورها أن اللجنة تستند في ضبط الجرائم إلى قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949، والمادة 12 من الإعلان الدستوري، مع تطبيق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع، ومبادئ الضرورة والتمييز والإنسانية والنسبية، وأنها وضعت منهجية عملها بما ينسجم مع معايير الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق.
وجدير بالمراقبة والتثمين تأكيد اللجنة أن أعمالها تستهدف كشف ملابسات الأحداث وظروفها، والتحقيق الفعال في شكاوى الانتهاكات الجسيمة وتحديد هوية المشتبه بهم وإحالة قوائمهم إلى القضاء، على اختلاف المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة. هذا إلى جانب ضمان عدم الإفلات من العقاب، ومحاسبة كل من يثبت تورطه، وإصدار توصيات قانونية تضمن عدم تكرار أحداث مماثلة في مناطق أخرى من سوريا.
ولأن اللجنة تمتعت بصلاحيات واسعة ومفتوحة منحها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع نفسه، فقد تمكنت من الاستماع إلى «قادة عسكريين من الصف الأول»، وبالتالي طلبت توقيف عناصر من الجيش والأمن ومدنيين مشتبه بارتكابهم انتهاكات محددة، وجرى التحقيق معهم بالفعل، وإحالة محاسبتهم إلى القضاء السوري المستقل.
وفي أواسط تشرين الأول/ أكتوبر الماضي صرح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بأن أحداث السويداء كانت فخاً وقعت فيه جميع الأطراف، الأمر الذي عنى أيضاً انسياق السلطات الانتقالية إلى الفخ ذاته عبر أطراف في الجيش والقوى الأمنية والفصائل الحليفة ومجموعات البدو. كما استوجب الحدود القصوى من تحمّل المسؤولية السياسية والقانونية والحقوقية والمحاسبة وضمان عدم الإفلات من العقاب.
وتلك السياقات سهّلت استغلال الوضع من جانب الفئات الدرزية المتشددة والانفصالية والخارجة عن القانون وجيوب فلول النظام البائد، ضمن مجموعات الهجري أو خارجها، وبالتالي منحت دولة الاحتلال الإسرائيلي ذريعة للتدخل العسكري المباشر وقصف العاصمة دمشق، كما بلغ حجم التدهور الوطني داخل مدينة السويداء ذروة مأساوية غير مسبوقة حين رُفع علم الاحتلال وأُطلقت تسمية توراتية على جبل العرب.
ولأن أولى نتائج التحقيق في أحداث السويداء تزامنت أيضاً مع بدء أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات الساحل السوري، وترافقت كذلك مع افتتاح يوم الحوار مع المجتمع المدني بحضور وزراء بارزين، فإن مسارات العدالة الانتقالية في سوريا تقطع خطوات متقدمة، حتى إذا كان الطريق إليها طويلاً وشاقاً.
- القدس العربي


























