في عهد حافظ الأسد (1970–2000) تَرجَمَ النظام هذه المعادلة بسطوةٍ سياسية وأمنية امتدّت إلى لبنان، ومناكفاتٍ لقوى الجوار، وملاحقةٍ لياسر عرفات في دول الطوق تحت شعار حماية “القضية الفلسطينية”.
توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب
انفجار الداخل
انقلب المشهد في عهد بشار الأسد. فقد دخلت قوى عديدة إلى الساحة السورية: إسرائيل، إيران، الميليشيات العراقية، ثم روسيا. رغم ذلك بدأ العهد بداية هادئة: دعمٌ سعودي ومصري، تقارب أميركي مشجَّع إسرائيليًا بسبب هدوء الجبهة، وعلاقات ممتازة مع موسكو. لكنّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 شكّل الضربة الأبرز للنظام، وأدّى إلى خروج الجيش السوري من لبنان، وفتح الباب أمام النفوذ الإيراني المباشر في دمشق وبيروت.
مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011، توسّع الغضب الشعبي من الأرياف إلى المدن، وارتبك النظام أمام حجم التمرّد. ومع توسّع الفوضى، دخلت إيران والحزب والميليشيات العراقية، وتبعتهم روسيا. وفي المقابل انقسمت المعارضة إلى مجموعاتٍ عديدة، بعضها متطرّف وإرهابي. وخلال سنوات قليلة كان ثلث سورية قد دمّر، ومليونًا تقريبًا قد قضَوا بالسجون أو الغارات، وتهجّر نحو سبعة ملايين إلى الخارج وستة ملايين في الداخل، فيما فرّ النظام وأركانه بين روسيا وإيران والعراق ولبنان.
التحديات في سورية الجديدة
ما تزال القوى التي دخلت سورية خلال الحرب موجودة اليوم: الأميركيون والروس والأتراك. أما الحزب والميليشيات الداعمة لإيران فقد انسحبت إلى حدّ كبير، فيما أبقى الحرس الثوري الإيراني والحزب على جيوب وأنفاق يمكن استخدامها في وقت لاحق.
في ظلّ هذا التعقيد، يحاول النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع استعادة دورة الحياة الطبيعية، بدعمٍ من السعودية وقطر، وتشجيع أميركي يمهّد لرفع العقوبات. لكنّ المخاوف عليه كبيرة، ولا سيما أنّ أعوانه المقربين غير معروفين بما يكفي، وأنّ خطواته السياسية، ومنها الانتخابات الجزئية، لم ترضِ مختلف الأطراف.
سورية، رغم كلّ ما فيها من جراح، تعيش هدوءًا نسبيًا في المدن الكبرى، التي تقود اليوم ورشة الإعمار
ملفّ الأكراد يشكّل أحد أكبر التحديات: دويلة أمر واقع اعتادت إدارة الزراعة والمياه والبترول، وجيش يتجاوز ثلاثين ألفًا معظمهم من حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى آلاف الوافدين أخيرًا الرافضين للمصالحة مع تركيا. وإذا كان التمرّد الدرزي أقل خطورة، فإنّ الأميركيين يساعدون على احتواء إسرائيل، ويعملون على تهدئة المخاوف الكردية.
لكنّ الخطر الأكبر يبقى في الداخل: مجموعات “داعش” الصغيرة المنتشرة في أنحاء البلاد، وبعضها داخل دمشق، وكلّها مجموعات انتحارية. يضاف إلى ذلك انقسام أنصار الشرع بين من عاد إلى دمشق وبقي متشدّدًا، ومن بقي في إدلب ولم يغيّر موقفه. وقد اتّضح حجم الإشكال حين دعت واشنطن إلى تحالفٍ مع الشرع ضد “داعش”، وبشكلٍ غير مباشر ضد المتشدّدين من رفاقه.
سورية، رغم كلّ ما فيها من جراح، تعيش هدوءًا نسبيًا في المدن الكبرى، التي تقود اليوم ورشة الإعمار. أمّا الأرياف التي شكّلت مهد التمرّد ومصدر المقاتلين المحليين والأجانب، فهي التحدّي الأكبر أمام الاستقرار.
إنّ خوفنا على سورية هو بقدر حبّنا لها، والأمران كبيران، ويستحقان التأمل والتفكير وحصافة التدبير!
- أساس ميديا



























