بين خطاب القسم لبشار الأسد في 10 – 7 – 2000 م وحملة الترشيح التي يقوم بها اليوم لتولي فترة رئاسية رابعة، يكون قد مرت على السوريين وبلدهم 21 سنة وبين قَسمه برعاية مصالح الشعب وسلامة الوطن في ذلك الخطاب، وحصيلة اليوم التي أدت إلى قتل ما يقرب من المليون ضحية، وتهجير 13 مليون سوري من بيوتهم، ومليوني مشوّه حرب، وخمسة احتلالات، تكون سورية وسكانها قد دخلوا ببداية العقد الثالث تحت حكم الوريث، وبين قوله في ذات الخطاب أنه لا يملك عصاً سحرية لتحقيق المعجزات، ووضوح أنه يمتلك هراوة غليظة حطم بها سورية لتُحتَلّ تحت ظلّه، وسِنيّ حكمه، المرتبة الأخيرة في العالم بكل مقومات الحياة، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا تعليم ولا صحة . فمن يرصد فترة حكم الوريث، وخاصة خلال العقد الأخير، سيجد أنه عبارة عن كاريكتر لطاغية تم تجميعه من بقايا خردة لطغاةٍ سبقوه، فمن هذا برغي، ومن ذاك سلك، ومن آخر ذراع معدنية، ومن رابع وخامس وسادس .. بطارية وعزقة ورنديلة تمّ تلحيمها وتوصيلها مع بعضها البعض للحصول على طاغية صغير، مليء بالشر والحقد. فقد حصل على حركة الأيدي البلهاء من هتلر، ومن دكتاتوريات أميركا الجنوبية خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي استمدّ فكرة الحماية والوصاية، وجعل سورية حديقة خلفية لروسيا وإيران، ونقل عن صدام حسين ترويع محكوميه وأهل بلده بقصفهم بالسلاح الكيماوي. وقلّد ستالين الذي كان يرسل الوثائق والمستندات لذوي المعتقلين والمخفيين في سجون الغولاغ لمن تم قتله وإعدامه، وهم مئات الألوف، على أن أولادهم ماتوا دفاعاً عن الاتحاد العظيم، ودفنوا في ساحات الشرف، كي يقطع عليهم الطريق، ولا يسأل أحداً عن ابن أو زوج أو أخ اختفى، أو كيف مات. كذلك فعل الطاغية الصغير بشار بإصدار آلاف التقارير الطبية لأهالي المعتقلين على أن ابنهم مات بسكتة قلبية- يا للصدفة، فالكل مات بنفس الطريقة – كي لا يستفسر أحد عن سبب الوفاة، ولا لماذا مات ؟ أما القالب الذي وضعت فيه كل هذه الخردة، المسماة بشار الأسد ،هو قالب الإمبراطور الروماني كاليجولا الذي حكم روما لمدة خمس سنوات بين عامي 37 – 41 ميلادي، ورغم أن بينهما التاريخ الميلادي بكامله لكن التشابه بينهما مغرٍ للمقارنة . – – فمثلاً يُنقل عن كاليجولا أنه كثيراً ما ينفجر ضاحكاً أمام الحاضرين مهما كانوا- قناصل دول، أعضاء مجلس شيوخ، قادة عسكريين – بدون سبب !.. ومرة تجرّأ أحد أعضاء مجلس الشيوخ بسؤاله عن سبب ضحكه ، فقال له : ” الأمر بسيط، أضحك من فكرة أنني أستطيع بإيماءة واحدة أن أرى رؤوسكم تتدحرج أمامي ” بهذا التجسيد وجد بشار الأسد نفسه عندما ينفجر ضاحكاً، مفاجئاً مستمعي خطبه أو أمام صحفيين يجرون معه مقابلة ، يضحك على نكتٍ يقولها هو، ويضحك عليها لوحده، وفي ذات الوقت الذي يضحك ضحكته البلهاء يسقط عشرات السوريين غرقى بدمائهم، وتتناثر أشلاء أجسادهم في الطرقات، أو يدفنون تحت ركام بيوتهم بأوامر منه ! – ويقال أنه استبدّت بكاليغولا فكرة أنه إله على الأرض، وملك هذا العالم بأسره، ويفعل ما يحلو له، لكن سنيّ حكمه القصير لم تحقق له من أمانيه سوى نحت عشرات التماثيل التي احتلّت الفضاء العام لمدينة روما، وكانت تراقب الناس في غدوهم ورواحهم .في هذا الجانب تفوق بشار الأسد على القالب الذي وضع به وضاق عليه، عندما أثلج قلبه قول عضو مجلس الشعب : (قيادة سورية والوطن العربي قليل عليك، وأنت لازم تقود العالم يا سيدي الرئيس )، مما جعل أحد صحفييه يصرخ بوجه السوريين “يتغير نظام الكون، وتشرق الشمس من الغرب وتغيب في الشرق، ولا يتغير الرئيس بشار الأسد، ليتبعه آخرون ويعلنون بشار الإله الذي يعبدون، وفرضوه على الناس، فقد تم تسريب فيديوات يظهر فيها جنده، وهم يجبرون بعض الناس على قول ( لا إله إلا بشار)، كما انتشرت صور لمؤيّديه، وهم يسجدون لصوره ويصلون له..! أما الثالثة التي سعى بشار ليكون كاليغولا عصره ، هي اشتراكهما في امتلاك كل ما تطاله أيديهم وما تراه أعينهم ، فمرة طلب كاليغولا القمر، لا لشيء سوى لأنه من الأشياء التي لا يملكها. ولهذا استبد به الحزن حين عجز عن الحصول عليه! بينما بشار الأسد وعائلته كانوا متواضعين لمعرفتهم باستحالة الحصول على القمر وعدم أهمية فائدة الحصول عليه، فاستبدلوا القمر بالحصول على سورية، وكان ذلك ، فقد أصبحت الغابات والجامعات والشوارع والساحات والمدارس والحدائق والثروات والمطارات والمزارع والجنود لهم و بأسمائهم، وحتى الأجنة بأرحام أمهاتهم كانت ملكاً لآل الأسد ( من يريد امتلاك المستقبل عليه امتلاك الجيل ) قول لحافظ الأسد. ملكهم هذا أسموه” سورية الأسد ” تصرفوا به كما يريدون، استثمروه وعصروه حتى آخر نقطه، وباعوه بالجملة والمفرق لمن يرغب، وعندما شعروا أن ملكهم قد يخرج من أيديهم حطموه . أما الخاطر الذي مرّ بذهن كاليغولا وتفعيله للسرقة العلنية في روما – بالطبع كانت مقصورة عليه وعلى حاشيته، ومن يسرق من العامة يرمى من ظهر جبل – ولما قل ّ ما يسرق، أجبر في فترة لاحقة كل أشراف روما وأفراد الإمبراطورية الأثرياء على حرمان ورثتهم من الميراث وكتابة وصية أن تؤول أملاكهم إلى خزانة روما بعد وفاتهم وبالطبع خزائنه هو، إذ أنه كان يعتبر نفسه روما. وكان في بعض الأحيان يأمر بقتل بعض الأثرياء حسب ترتيب القائمة التي تناسب هواه الشخصي، كي ينقل سريعاً إرثهم إليه دون الحاجة لانتظار الأمر الإلهي. وكان يبرّر ذلك بعبارة شهيرة جداً: ” أما أنا فأسرق بصراحة ” .. اليوم بشار الأسد وزوجته وعائلته الصغيرة والمقربين منهم بعد نهبهم لأموال سورية وتبديد ثرواتها، باشروا في الاستيلاء على أموال ” الحاشية “شركاء الأمس، معتبرين أنفسهم سورية، وورثة كل فاسديها ومفسديها، معتمدين على المقولة الدارجة ” السارق من السارق كالوارث من أبيه ” مقابل عبارة كاليجولا ” أما أنا فأسرق بصراحة ” .. ، وحتى التلاعب بمشاعر الناس الذين أفسدوا كاليجولا المضطرب نفسياً، وجعلوه يتمادى بظلمه وقسوته بصمتهم وجبنهم وهتافهم لكل ما يقوم به حرفياً، جبناً أو طمعاً ، فذات مرة خرج كاليجولا بخدعة أنه يحتضر وسيموت، ومن لروما بعده، ولا يوجد بديل؛ فبادر عدد غير قليل من الحاشية وسكان روما بالدعاء له بالشفاء، وأعربوا عن استعدادهم للتضحية من أجله، وهتفوا أن روحهم فداءً له. وعندما خرج من مخبئه بعد فترة ليبشّرهم إنه لم يمت، أجبر من أعلن عن فدائه على الوفاء بما وعد ! وعقب على ذلك بقوله ” غريب أنني إذا لم أقتل أحداً أشعر أنني وحيد ” ، فقد فعل بشار الأسد ذات الأمر، عندما دفع مئات الآلاف الذين هتفوا له ( بالروح بالدم نفديك يا بشار) بالوفاء بما وعدوا، وزجّهم بمقتلة مستمرة منذ عشر سنوات، وأهدى كل روح فدته ” ساعة حائط ” ، وكي لا يشعر بالوحدة القاتلة كما شعر بها مثاله، يقوم بيده بالضغط على زر التفجير كي يقتل، ويؤنس وحدته، حتى إذا كان من خاصته ومن المقربين له .. تفجير خلية الأزمة مثالاً على ذلك. ما يثير في لحظة كاليجولا الأكثر جنوناً أنها ظهرت لدى بشار رغم الفارق الزمني بينهما 2000 سنة. صحيح أن بشار لا يمتلك جواداً يدخل به على الدوائر الحكومية، لكن لديه زوجة، وهي بمثابة ” تانتوس”. فذاك جواد كاليجولا، وهي زوجة بشار، وكلاهما الجواد والزوجة لا ميزة لهما إلا أنهما ملك لكاليجولا ولبشار؛ فالزوجة هنا أيضاً دخلت الدوائر الحكومية مع زوجها مثلما دخل ” تانتوس ” إلى مجلس الشيوخ في روما، وكلاهما – الجواد والزوجة – لا صفة رسمية لهما، ورغم ذلك الجواد احتل منصب عضو مجلس شيوخ، والزوجة دخلت الدوائر الحكومية والوزارات، و تربعت صورتها مع صورة زوجها على حيطان مكاتب النواب والوزراء والمديرين العامين وقادة الجيوش، وتلقّوا الأوامر من الزوجة بهز الرؤوس ، وعلت صورتها مع صور العائلة الشوارع والساحات، وهتفت الحاشية باسمها، وألهم حضورها قصائداً عن أناقتها ورقتها وبساطتها، قيلت على ألسنة الشعراء، وعُقدت ندوات تتكلم حسن تدبيرها ورجاحة عقلها، إنها ” تانتوس بشار”، ومثلما استلهم الرومان من عرف جواد كاليجولا عرفاَ يعلو خوذ جنودهم، استلهمت بيوت الأزياء والموضة من لبسها وتسريحة شعرها موديلات اجتاحت البلاد. ومن احتج على عضوية الجواد بمجلس الشيوخ كعضو إضافي أزيح، واحتل الجواد مكانه كعضو أصيل مكانه ، وكذلك من احتج على نفوذ الزوجة أزيح، واحتلت مكانه، ولو كان ابن خال ! لكن من المستدعي للاهتمام الفارق بالشعور بالأمان، حيث كان كاليجولا صريحاً في إجرامه لشعوره أن مزيداً من الإجرام يمنحه مزيداً من الأمان، وتجلى ذلك مرةً لما شعر بالضجر كإله وحيد، وأراد أن يشعر بقوته، ويمتحن إرادته، وأن كل أمور الحياة بيده ، جلس يراقب الناس بتلذذ، وهم يتعذبون ويموتون بالجوع بعد مصادرته الغلال وتخزينها في مخازنه ومستودعات الحاشية، وقال كلمته الشهيرة: ” سأحل أنا محل الطاعون، أما المقّلد فتأتّى أمانه من الإنكار، مزيداً من الإنكار مزيداً من الأمان، والجريمة والدمار الذي حققه لا وجود لها إذا أنكرها. هذا ظهر عندما عرض عليه صحفي الأمريكي صور قيصر، بقوله (من هؤلاء.. من تحقق من هذه الصور .. هل تحققت من هوية هؤلاء .. هذه مجرد مزاعم .. هذه بروباغندا من بلدك ومن المنظمات الدولية ..هي صورة فوتوشوب )، إنكار كامل كحال نعامة عندما تدفن رأسها بالرمل ، يزول الخطر، حتى عندما قال ( أنا أعرف ) عندما سأله أحد صحفييه عن جوع الناس ليقابل بها قول كاليغولا ” أنا الطاعون ” كانت نهاية حالة جنون كاليجولا عندما صاح أحد أعضاء مجلس الشيوخ ” إلى متى يا أشراف روما نظل خاضعين لجبروت كاليجولا” فاستجاب لصيحته أشراف روما وقضوا عليه وقتلوا حصانه. . ولما وصل الخبر إلى الشعب خرج مسرعاً، وحطّم كل تماثيل كاليجولا ومعها أيضاً تماثيل أفراد عائلته الكثيرة.. أما أمنية كاليغولا التي لم تتحقق رغم ما ألحقه من خراب وفوضى لبلده، وبقيت غصة في قلبه، ناجى نفسه وهو يداعب سيفه قائلاً : ” لو أن هذا الشعب برأس واحد لأقطعها بضربة سيف واحدة ” يقولها بشار الأسد بصيغة أخرى فترة رئاسية جديدة لأقضي على من تبقى من هذا الشعب.
* كاتب سوري – هولندة