علّق أحد الناشطين السوريّين على الزيارة قائلاً: “دخل الرئيس الشرع من الباب الخلفيّ أو الأماميّ، لا يهمّ، المهمّ أنّه دخل إلى المكتب البيضاوي واجتمع بالرئيس الأميركيّ وتعطّرا معاً وتبادلا الهدايا، فيما أنتم ما زلتم عاجزين عن أخذ موعد مع شرطيّ سير في واشنطن”.
يلخّص هذا التعليق، على الرغم من طرافته، مشاعر الكثير من السوريّين وعدد من المراقبين الدوليّين إزاء أهميّة الزيارة، ويعكس حجم الارتباك والغضب في صفوف المعارضين للرئيس الشرع، سواء داخل سوريا أو على المستويَين الإقليميّ والدوليّ.
رواية ترامب والشّرع للزّيارة
في مؤتمر صحافيّ عقده في المكتب البيضاويّ، وصف الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب اللقاء مع نظيره السوريّ قائلاً: “أنا أتوافق مع الرئيس الشرع، إنّه قائد قويّ جدّاً جاء من بيئة صعبة، وهو رجل صلب وأنا معجب به. لدينا انسجام تامّ، وسنفعل كلّ ما بوسعنا لجعل سوريا دولة ناجحة، لأنّها جزء أساسيّ من الشرق الأوسط. الآن لدينا سلام في الشرق الأوسط، ولأوّل مرّة يمكن لأحد أن يتذكّر حدوث ذلك”.
أظهرت تصريحات ترامب بوضوح تقديره لشخصيّة الرئيس الشرع، وإيمانه بقدرته على إعادة الاستقرار إلى سوريا، وعبّرت عن قناعته بأهميّة التعاون بين واشنطن ودمشق لمواجهة التحدّيات الأمنيّة والسياسيّة في المنطقة.
ستعمل الولايات المتّحدة على دمج “قسد” ضمن أجهزة الدولة السوريّة الرسميّة مع إشراك شخصيّات كرديّة في الحكومة
من جهته، قال الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز”: “الولايات المتّحدة وسوريا خاضتا صراعاً طويلاً، لكن حان الوقت للانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاهم الواقعيّ. بلدانا يحتاج أحدهما إلى الآخر، سواء أحبّ الطرفان ذلك أم لا”.
شدّد الشرع على أنّ خطر تنظيم داعش لا يزال قائماً، مضيفاً: “داعش لم يُهزم بعد، ومن يظنّ أنّ الحرب انتهت فهو لا يعرف الشرق الأوسط. يجب أن يكون هناك اتّفاق واضح بيننا وبين واشنطن بشأن التعامل مع هذا التنظيم داخل سوريا، وإلّا فإنّ الفوضى ستستمرّ”.

نفى الرئيس السوريّ تبعيّة بلاده لأيّ جهة خارجيّة، مؤكّداً استقلال القرار الوطنيّ: “نحن لا نتبع أحداً. من السهل القول إنّ روسيا أو إيران تتحكّمان بدمشق، لكنّ القرار السوريّ اليوم سوريّ بالكامل، وسنثبت ذلك في الميدان السياسيّ كما أثبتناه في الميدان العسكريّ”.
خفايا اللّقاء
وفقاً لمصادر متقاطعة تحدّثت لـ”أساس”، فإنّ العنوان الأبرز لاجتماع ترامب والشرع كان تعليق تطبيق قانون قيصر لمدّة ستّة أشهر، وهو ما يعكس وجود خارطة طريق متّفق عليها بين الجانبين تتضمّن محاور داخليّة وإقليميّة واضحة.
أوّلاً: الملفّات الدّاخليّة
1- تسوية ملفّ قوّات سوريا الديمقراطيّة (قسد): ستعمل الولايات المتّحدة على دمج “قسد” ضمن أجهزة الدولة السوريّة الرسميّة، مع إشراك شخصيّات كرديّة في الحكومة.
2- مشاركة المعارضة: إدخال شخصيّات من المعارضة السوريّة في الحكومة، من بينهم رياض حجاب، معاذ الخطيب، وبرهان غليون.
3- إصلاح الصّورة الرّسميّة للدّولة: الرئيس الشرع سيسعى إلى “تنقية الصورة السوريّة” من مظاهر التطرّف عبر معالجة ملفّ المقاتلين الأجانب والحدّ من نفوذ التيّارات الدينيّة المتشدّدة في المؤسّسات الرسميّة.
4- تأسيس قوّات نخبة سوريّة: تشكيل وحدات خاصّة ضمن الجيش السوريّ تُدرَّب في الأردن وتركيا والسعوديّة لتكون قوّة مؤثّرة في إعادة الاستقرار الأمنيّ على كامل الأراضي السوريّة.
تؤكّد مصادر “أساس” أنّ الأشهر الستّة المقبلة ستكون بمنزلة اختبار حاسم للرئيس أحمد الشرع
ثانياً: الملفّات الإقليميّة والسّوريّة – الإسرائيليّة
– اتّفاق أمنيّ مع إسرائيل: يجري العمل تحت إشراف أميركيّ مباشر على صياغة اتّفاق أمنيّ جديد يُبنى على أساس تفاهمات اتّفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، مع فارق جوهريّ هو الوجود العسكريّ الأميركيّ الفعليّ في الميدان، سواء من خلال ضبّاط قرب دمشق أو عبر نقاط مراقبة في المنطقة العازلة.
– بسط السّيادة السّوريّة: يهدف الاتّفاق إلى تمكين الحكومة السوريّة من استعادة سيطرتها على كامل أراضي البلاد، بما في ذلك محافظة السويداء، بطريقة هادئة وتدريجيّة من دون أيّ صدامات.
ماذا عن السّويداء؟
علّق الإعلاميّ السوريّ فيصل القاسم على ما أُثير حول ملفّ السويداء قائلاً عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعيّ، تحت عنوان: “أهلنا في السويداء: كي لا تعيشوا في الأحلام والقيل والقال والوعود الكاذبة والخزعبلات الفيسبوكيّة”: “تابعت بدقّة ما جرى في واشنطن خلال الأيّام الماضية بشأن الملفّ السوريّ. أؤكّد أن لا ترامب ولا الشرع تطرّقا إلى موضوع السويداء إطلاقاً، وكلّ من يقول غير ذلك يكذب عليكم. هذا ليس تحليلاً بل معلومة دقيقة مئة في المئة. في لقاء عابر بالكونغرس الأميركيّ، تمّ التطرّق إلى ملفّ الأقليّات في سوريا مرور الكرام ولم يتجاوز النقاش 12 ثانية بالضبط. واشنطن اليوم لا تهتمّ في سوريا إلّا بشيء واحد: دعم سوريا الجديدة لتكون ركيزة السلام في الشرق الأوسط. هناك اهتمام أميركيّ غير مسبوق بالحفاظ على وحدة سوريا كدولة واحدة، و”قسد” تسارع حاليّاً للاندماج ضمن الدولة”.
وفقاً لمصادر متقاطعة تحدّثت لـ”أساس”، فإنّ العنوان الأبرز لاجتماع ترامب والشرع كان تعليق تطبيق قانون قيصر لمدّة ستّة أشهر
أضاف: “من يروّج أنّ الرئيس الأميركيّ لا ينام قبل أن يطمئنّ على السويداء، فهو يخدعكم. إسرائيل من جهتها أكّدت للأميركيّين أنّها لا تدعم أيّ حكم ذاتيّ أو انفصال لأيّ مكوّن سوريّ، وكلّ ما يعنيها هو التوصّل إلى اتّفاق أمنيّ مع دمشق، وهذا الاتّفاق شبه جاهز. قد يزعج هذا الكلام البعض، لكنّ من الأفضل معرفة الحقيقة بدلاً من الركض وراء السراب. وأكرّر: هذه معلومات موثّقة، لا حرب نفسيّة”.
الأشهر السّتّة المقبلة… اختبار مصيريّ
تؤكّد مصادر “أساس” أنّ الأشهر الستّة المقبلة ستكون بمنزلة اختبار حاسم للرئيس أحمد الشرع:
إمّا ينجح في معركته السياسيّة الثانية بعد إسقاط نظام الأسد، ويثبت سلطته ويعيد بناء الدولة السوريّة بصورة مستقرّة ومقبولة دوليّاً، وإمّا تتحوّل هذه المرحلة إلى بوّابة جديدة للفوضى. وهو سيناريو يسعى المجتمع الدولي، بما في ذلك إسرائيل، إلى تجنّبه لِما له من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليميّ والدوليّ.
- أساس ميديا



























