توقف الإعلام، خصوصاً الروسي الموالي للكرملين، عند الكثير من التفاصيل التي رافقت زيارة الشرع إلى واشنطن. وتتفاوت الأسباب حتى التضارب، التي تقف وراء تركيز كل طرف على هذه التفاصيل الكثيرة. فالبعض رأى أن التفاصيل تحدثت عن الزيارة أكثر من النتائج القليلة الملموسة التي أسفرت عنها. والبعض الآخر أراد من التفاصيل أن تقلل من أهمية “الزيارة التاريخية”؛ بل إن تحجب ما شكلته من نقطة انتقال سوريا من الحضن الشرقي على نحوٍ مطلق، إلى محاولة ترتيب وضعها في الحضن الغربي الأميركي، من دون القطع نهائياً مع ماضيها الشرقي.
توقف الإعلام الموالي للكرملين عند دخول الشرع من الباب الخلفي للبيت الأبيض، المجاور لموقف سيارات العاملين في الإدارة الرئاسية، ومن دون أن يستقبله أحد من المسؤولين. كما توقف عند دخول الشرع إلى مكتب ترامب، وليس إلى قاعة المفاوضات، وجلوسه مع وزير خارجيته وزميله الأميركي على مقاعد مقابل ترامب الجالس إلى مكتبه، كأنه يستقبل أصحاب الاحتياجات.
لم يقتصر التوقف عند التفاصيل على إعلام الكرملين فقط؛ إذ توقف الجميع عند مباراة كرة السلة بين الشرع وكل من قائد القيادة الأميركية المتوسطة الأدميرال براد كوبر والجنرال كيفن لامبرت. ولم يغب عن التفاصيل سؤال ترامب للشرع ممازحاً عن عدد زوجاته، ثم ربت على كتفه، ورش الكولونيا المفضلة لديه على عنقه ووزير خارجيته، وقدم له ولزوجته زجاجتين من تلك الكولونيا، التي لا يتعدى ثمنها 249$، وفق وكالة نوفوستي.
كما لم يغب عن الإعلام أيضاً ما أغدقه ترامب على الشرع من ثناء ومديح، يجيده المقاول لتمرير صفقته. وهذه التفاصيل التي أحاطت باستقبال الشرع في البيت الأبيض، جعلت صحيفة الحكومة الروسية RG تنقل عن النيويورك تايمز تشبيه استقبال الشرع بـِ “زفة العروس”.
هذه التفاصيل التي ركز عليها إعلام الكرملين أكثر من سواه، كانت تستبطن التشكيك في تحقيق الوعود الأميركية بمساعدة النظام السوري الجديد على تثبيت وجوده. وأعرب الكرملين عن الأمل في ألا تكون زيارة الشرع الأميركية على حساب العلاقات الروسية السورية، التي انطلقت عملياً قبل أقل من شهر مع زيارة الشرع إلى الكرملين أواخر أيار/ مايو المنصرم. وقد صرح الناطق باسم الكرملين بالقول إن روسيا تبني “علاقاتها الجديدة” مع القيادة السورية، وكانت مفاوضات بين رئيسي البلدين، و”ونأمل أن يتطور مسارنا الثنائي على نحوٍ مستقل”، وفق صحيفة gazeta.ru الروسية في 11 الجاري.
صحيفة الحكومة الروسية RG قارنت في 11 الجاري بين الثناء والنعوت التي أطلقها ترامب على ضيفه السوري، وتلك التي سبق أن أطلقها على من سبق أن التقاهم أو تعامل معهم، من ديكتاتور كوريا الشمالية إلى فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي وسواهم. وأرادت الصحيفة بذلك أن تشير إلى خواء ثناء ترامب وفراغه من أيّ محتوى.
أشارت الصحيفة إلى توقف الإعلام الأميركي عند ما وصفته بـِ “التفصيل المهم”، الذي تمثل في دخول الشرع إلى البيت الأبيض من الباب الخلفي، ولم يجد أحداً في استقباله، في حين خرج من الباب الأمامي في ظل ما “يشبه التصفيق”. ويبدو أن الصحيفة أرادت بذكر مغادرة الشرع من الباب الأمامي الإشارة إلى رضا ترامب عما دار بينه وبين الشرع في الداخل. وتساءلت عما قدمه الشرع لترامب الذي سبق أن أعلن جائزة 10 ملايين دولار لمن يفشي بمكان وجود من كان قبل حوالى السنة أبو محمد الجولاني.
توقفت صحيفة الحكومة الروسية، وبالكثير من السخرية المبطنة، عند بعض “التفاصيل” التي دارت في لقاء البيت الأبيض بوجود وزير الخارجية التركي. فأشارت إلى ما أعلنه الشرع من أن علاقاته مع العناصر المجرمة قد “أصبحت من الماضي”. وعلى الرغم من أن سوريا لا تنوي توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، إلا أن الشرع أعرب لترامب عن أمله في أن “يساعد البيت الأبيض في تنظيم مفاوضات بهذا الشأن”.
تشير الصحيفة إلى أن الشرع أكد للرئيس الأميركي على “دعمه الشديد” للسلام في الشرق الأوسط، وأعلن براءته من هجمات أيلول 2001 في نيويورك، وذلك لأنه كان لا يزال شاباً لا يملك أيّة صلاحية في اتخاذ القرارات. وتتوقع الصحيفة بأن يكون الشرع قد أكد للرئيس الأميركي بأنه لا يضمر أيّة ضغينة بسبب تصفية رئيسه السابق ومرشده أبو بكر البغدادي. كما تشير الصحيفة إلى إعلان الشرع عن افتراقه عن الجهاد، وأنه “لا ينوي قتل الجنود الأميركيين”.
تضيف الصحيفة بالقول إن تأكيدات الشرع هذه قد أقنعت الرئيس الأميركي برفع القيود الاقتصادية عن سوريا ومنحها تسهيلات واسعة: استعادة السفارة السورية في واشنطن، وقف عقوبات “قانون قصر” لمدة 180 يوماً. وتشير الصحيفة إلى أنه، وبمبادرة من الولايات المتحدة، رفع مجلس الأمن الدولي اسم الشرع عن قائمة الأشخاص الذين تشملهم العقوبات بسبب الإرهاب.
وبشأن إسرائيل، تقول الصحيفة أن الإسرائيليين يصفون الشرع بالبراغماتي، ويأملون بان لا تفترق أعماله عن أقواله. وجاء تصريح نتنياهو الذي نشره الإعلام في 14 الجاري، ليلقي المزيد من الضوء على موقف إسرائيل من لقاء واشنطن. فقد أكد أن ما يعنيه من اللقاء هو أفعال الشرع لا أقواله. وعلق على أحداث السويداء المتجددة إثر لقاء واشنطن بالقول إن إسرئيل معنية بحماية دروز المحافظة، وما يجري فيها يشبه هجوم 7 أوكتوبر.
موقع detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية، نقل في 14 الجاري عن صحيفة هآرتس نصاً كتبه المعلق في الصحيفة زفي باريل (Zvi Barel). وضع الكاتب زيارة الشرع إلى البيت الأبيض في إطار محاولات ترامب تحويل الخطط الغامضة المكدسة على طاولته إلى سلام مستدام على جبهات الشرق الأوسط الأربع. ويرى الكاتب أن اجتماع ترامب مع الشرع الذي تحتاج نتائجه إلى الكثير من العمل لبلورتها في الواقع، يشكل أحد الخطط الأربع المتعلقة بجبهات لبنان وغزة وإيران، التي بدورها تتطلب العمل عليها ليخيم السلام الدائم على المنطقة.
يقول باريل أنه، على الرغم من تصوير زيارة الشرع بأنها نجاح له ولترامب، إلا أن عدداً ضخماً من المسائل العملية لا يزال بحاجة إلى أجوبة عليها، ويثير الشكوك حول جوهر هذا “النجاح”. ويرى أن الشرع قد يشعر بالارتياح للقرار الأميركي بتمديد الإعفاء من تبعات “قانون قيصر” الذي يحظر تقريباً أيّة مساعدة واستثمار في سوريا. لكن من غير المؤكد أن يشرع هذا القرار الأبواب أمام التوظيفات والمساعدات التي تحتاجها سوريا بشدة. والحقيقة أن التمديد الحالي، ليس أطول مدة من سابقه في أيار/ مايو المنصرم.
يواصل باريل تفنيد كل ما شكل “نجاح” لقاء ترامب الشرع، ويرى أن تصريح الشرع عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، ويكتسب أهمية بالشكل، لكنه لا يستند حتى الآن إلى آليات تنسيق عسكرية ضرورية لتنفيذه. ومن دون هذا التنسيق، لن تتمكن تركيا من إعفاء الولايات المتحدة من دورها العسكري في سوريا، ولا من نقل مسؤولية “الجبهة السورية” للحرب من القوات الكردية إلى الجيش السوري، الذي لا يزال غير مدرب ومجهز بشكل جيد ليتمكن من إجراء مثل هذه العمليات. ويرى أنه ينبغي أن تكون هذه المبادرة جزءاً من خطة استراتيجية أوسع نطاقاً، توضَع بالتعاون بين تركيا وسوريا والولايات المتحدة.



























