هاني عضاضة
على رغم كل الإطناب الكلامي الذي دأب النظام السوري على ضخه في السنوات الماضية عن نصرة فلسطين، إلا أن بشار الأسد امتنع عن اتخاذ أي دور عسكري أو سياسي فعّال لمواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة، والتي امتدت لتشهد جبهات ساخنة في الضفة الغربية وجنوب لبنان.
لطالما كانت الأزمة السورية ساحة للصراع الدولي والإقليمي، إذ تداخلت فيها مصالح متناقضة لقوى دولية مختلفة على ثلاث جبهات رئيسية: النظام، والمعارضة، والأكراد. ومن بين هذه القوى، يتصدر كل من روسيا وإيران المشهد في مناطق سيطرة النظام، حيث تشابكت مصالحهما ودورهما في دعم نظام البعث برئاسة بشار الأسد. غير أن العلاقة بين الأسد وطهران شهدت تحوّلات سلبية في السنوات الأخيرة، مع انحياز متزايد للأسد نحو الوجود الروسي، بخاصة خلال تصاعد مواجهة “محور الممانعة” ضد إسرائيل.
على رغم كل الإطناب الكلامي الذي دأب النظام السوري على ضخه في السنوات الماضية عن نصرة فلسطين، إلا أن بشار الأسد امتنع عن اتخاذ أي دور عسكري أو سياسي فعّال لمواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة، والتي امتدت لتشهد جبهات ساخنة في الضفة الغربية وجنوب لبنان.
طاول القصف الإسرائيلي بعض المناطق في سوريا، حيث استُهدِفت بشكل مستمرّ مواقع عسكرية تابعة للميليشيات الموالية لإيران، بالإضافة إلى مطارات ومواقع عسكرية للنظام. ومن بين هذه الهجمات، كان أبرزها قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/ أبريل 2024.
من الصعب تسويق ما يُشاع حول “عجز” نظام الأسد، من منظور عسكري بحت، عن المشاركة في المواجهة. فها هي “جماعة الحوثي” في اليمن، على الرغم من قدراتها المحدودة وإرهاقها العسكري، تتمكن من إعاقة حركة السفن في البحر الأحمر، وتتحمل تكلفة المواجهة بشكل مباشر مع البحريتين الأميركية والبريطانية. وبإمكان نظام الأسد أن يشارك من موقعه على رغم التهديدات الداخلية من قوى المعارضة، تحت عنوان “جبهة الجولان”، باعتبارها أرضاً سورية محتلة.
ومع ذلك، اتخذ نظام الأسد قراراً بالابتعاد تدريجياً عن “المحور” بدلاً من الانخراط في المواجهة، ما أثار غضب أطراف “المحور”، وعلى رأسه إيران.
وعلى رغم غياب المواقف الرسمية المعلنة، لكن همسات وتسريبات تشي بشعور حزب الله ببوادر “خيانة” بسبب السلوك السوري، بخاصة أن الحزب قدّم الكثير للأسد، سواء في تصديه الشرس لحلف 14 آذار الذي تمكّن من إخراج القوات السورية من لبنان، أو في تدخله العسكري في سوريا ضد قوى المعارضة لإنقاذ نظامه من الانهيار.
في هذا السياق، جاءت زيارة رئيس المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، إلى قيادات حزب الله مؤخراً، والتي شملت نائب الأمين العام نعيم قاسم، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا.
بدا وكأن الأسد يهدف من خلال هذه الزيارة إلى التوفيق بين ابتعاده التدريجي عن “المحور” وضرورة الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حزب الله. ويمكن اعتبار هذه المحاولة بمثابة اختبارٍ جدّي لحزب الله لإثبات احتفاظه بهامشٍ معين من الاستقلال عن القرار الإيراني الخارجي.
حياد الأسد وعلاقته بـ”حماس”
منذ عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما استتبعها من أعمال إبادة جماعية ارتكبتها إسرائيل في غزة، انتهج نظام الأسد مساراً استراتيجياً متمايزاً عن باقي أطراف “محور الممانعة”، يعكس بشكل أساسي رغبته في تخفيف أو إنهاء الحصار الدولي الذي فُرِضَ عليه نتيجةً لسياساته القمعية الدموية ضد ملايين السوريين المعارضين، والتي وصلت إلى حد استخدام غاز السارين والكلور وأسلحة محرّمة أخرى في هجمات كيميائية عدة على مناطق مدنية.
اللافت أن خطاب جميع المسؤولين السوريين بشأن أحداث غزة يشوبه الغموض؛ فهو من جهة يشيد بالقضية الفلسطينية ويعيد اجترار الشعارات القومية نفسها، ومن جهة أخرى يترفّع عن الانخراط في المواجهة لدرجة أنه يتحفّظ حتى على ذكر حركة “حماس”، مع أنها الطرف الأساسي والمبادر إلى المواجهة.
نشهد هذا التحوّل في الخطاب السوري الرسمي تجاه “حماس” على الرغم من أن دمشق كانت المقر الخارجي الأساسي لها منذ عام 2001 حتى عام 2012، بعدما تم نفي قياداتها السياسية والعسكرية من الأردن بقرارٍ أميركي. ومع إعلان “حماس” انحيازها الى الثورة السورية، توترت العلاقات بينها وبين النظام لسنوات عدة.
لكن منذ عام 2017، بدأت قيادات “حماس” والنظام السوري في إعادة تشكيل علاقتهما بشكل تدريجي، حتى تم الإعلان رسمياً عن عودة التحالف بمباركة إيرانية قبل عامين. يُظهِر هذا التحول انتهازية النظام البعثي من جهة، ويعكس أيضاً كيفية توظيفه القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافه الخاصة من جهة أخرى.
الأسباب الموضوعية لحياد الأسد
تتعدد الأسباب التي دفعت بشار الأسد إلى الامتناع عن الانخراط في المواجهة المباشرة. أولها، تعقيدات علاقته بكل من روسيا وإيران، والتي تطوّرت خلال مرحلة “إنقاذ النظام” بشكل جعل الأسد يصير مرؤوساً لمنقذيه. يسعى الأسد إلى إيجاد توازن معين في علاقته بين الطرفين، ما يزيد من تعقيد موقفه الضعيف أصلاً، لكنه حديثاً، بدأ بتفضيل علاقته مع الروس، بخاصة مع ظهور توترات في علاقته مع الإيرانيين بمعزل عن التوترات القائمة أساساً بين إيران وروسيا في ما يتعلق بالشأن السوري.
على الرغم من استمرار التعاون العسكري بين إيران وروسيا في الحرب الأوكرانية، والدور الروسي في الملف النووي الإيراني، إلا أن العلاقة بين الطرفين في سوريا تحولت في السنوات الأخيرة إلى علاقة تنافسية بعيدة عن التعاون. يتجلى انحياز الأسد الى الروس في استجابته لمطالبتهم بالبقاء على الحياد في الصراع الحالي. لقد تأرجح الأسد على مدى سنوات في مستوى تبعيته لكل من إيران وروسيا وفقاً لمتطلبات استمرار نظامه، ومن الواضح أن هذه المتطلبات تدفعه أخيراً نحو الانحياز الى الطرف الروسي.
وثانيها هو اللقاءات المستمرة، العلنية والسرية، مع ديبلوماسيين أوروبيين وأميركيين. يسعى الأسد من خلالها إلى فك عزلته الدولية، إذ يأمل بالحصول على دعم سياسي يعيد الاعتراف بنظامه في المجتمع الدولي. كما يستهدف إيجاد حل ديبلوماسي يعيد الى النظام وجوده في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” بدعمٍ من الولايات المتحدة الأميركية، والتي تمثل نحو 30 في المئة من الأراضي السورية.
وثالثها، رضوخ الأسد للتهديدات الإسرائيلية، والتي وُجه بعضها له شخصياً، ما جعله يتجنب التصعيد العسكري في الجولان أو التورّط في الأحداث الجارية بأي شكل من الأشكال منعاً لإسقاط نظامه بضربات إسرائيلية قاسية، على الرغم من تعرّض الأراضي السورية للخروقات والاعتداءات الإسرائيلية بشكلٍ شبه يوميّ.
ورابعها، الضغوط الخليجية، وبخاصة الإماراتية، بعدما بادرت الإمارات العربية المتحدة إلى نجدة نظام الأسد وفك عزلته خليجياً منذ عام 2018، وقد ساهمت هذه المبادرة في عودة الأسد إلى المشاركة في جامعة الدول العربية. تلعب العلاقات الاستراتيجية الإماراتية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية دوراً مهماً أيضاً في ممارسة الضغوط الإماراتية بهذا الاتجاه، إذ يحاول كلا الطرفين الدوليين منع توسيع الحرب لأسباب متشابهة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى.
وخامسها، تعقيدات العلاقة مع تركيا في ظل التمهيد لإعادة تطبيع العلاقات بمبادرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تتلاقى مع محاولات الأسد للعودة إلى المشهد السياسي الإقليمي. يمكن أن ينتج من التطبيع الأسدي-الأردوغاني تغيير في المشهد السياسي في الشمال السوري، حيث يسعى الأسد الى استعادة السيطرة عليها من خلال تقليص الدعم التركي للفصائل المعارِضة وانسحاب القوات التركية، مقابل تنفيذ مطالب أنقرة بإعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى “مناطق آمنة” في سوريا، وسط ضغوط المعارضة التركية والهجمات العنصرية المتزايدة على اللاجئين. في هذا السياق، يمكن لانخراط الأسد في أحداث غزة أن يُفشِل أو يؤجّل مساعي إعادة تطبيع العلاقات.
وسادسها، الوضع الاقتصادي المنهار بشكل كبير بدءاً من انهيار الليرة السورية، مروراً بالنقص الحاد في السلع الأساسية والارتفاع الحاد في أسعارها، وتدهور البنى التحتية، وتضرّر المنشآت الحيوية وانقطاع الكهرباء والمياه في الكثير من المناطق نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ عام 2011 وزلزال قهرمان مرعش عام 2023، وصولاً إلى أعباء إعادة الإعمار، فيما يعاني النظام من نقص متفاقم في الموارد المالية في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليه.
دوامة صراع النفوذ الروسي-الإيراني
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، يحتل كل من روسيا وإيران مركز الصدارة في دعم نظام الأسد، بينما احتلت دول الخليج مركز الصدارة في السنوات الأولى في دعم قوى المعارضة السورية، قبل أن تفرض تركيا سيطرتها على المشهد المعارض تدريجياً منذ عام 2017.
وقد نجح الرئيس التركي رجب أردوغان، وبخاصة بعد عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، في تحويل عدد من الفصائل المسلحة في المعارضة السورية إلى مجرد امتداد عسكري للأجندة التركية، إذ يأتمر أكبر فصيلين مقاتلين في الشمال السوري، أي “الجيش الوطني السوري” و”حركة أحرار الشام”، بأمره حتى في شؤون السياسة السورية، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بينهما، والصدامات المسلحة التي تنشب بينهما أحياناً.
حالة التشتت التي تشهدها قوى المعارضة، تقابلها حالة من التشتت أشد وطأة يعيشها نظام الأسد، إذ يحاول إيجاد توازنٍ شبه مستحيل بين نفوذين متناحرين: روسيا وإيران. تسعى روسيا من خلال دعمها النظام إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر سوريا موقعاً استراتيجياً لها، مثلما تحاول أن تفعل في مناطق من شمال إفريقيا وشرقها، حيث تهدف الى أن يكون لها وجود في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
من جهة أخرى، تستخدم إيران القوة الطائفية لتعزيز نفوذها في سوريا، حيث تسعى إلى توسيع شبكة حلفائها من الميليشيات الشيعية، إضافة إلى قيادتها عمليات تهجيرٍ قسري وتغيير ديموغرافي، وذلك عبر التنسيق والتفاوض أحياناً مع الميليشيات السنيّة المتطرفة بما يخدم الأهداف المذهبية للطرفين، كما حصل في ما يسمّى “اتفاق المدن الأربعة”، حيث أُخلي معظم سكان مضايا والزبداني السنّة خارج مناطقهم من جهة، وسكان كفريا والفوعة الشيعة خارج مناطقهم من جهة أخرى.
تنفّذ إيران أكبر عمليات تغيير ديموغرافي ذات طابع طائفي في سوريا، حيث تشتري عبر ميليشياتها عقارات المهجّرين وأراضيهم في مناطق عدة. بعد ذلك، تقوم بتوطين عائلات عناصر الميليشيات من جنسيات مختلفة في تلك العقارات. وقد أصبح مصطلح “حزام دمشق الشيعي” شائعاً بين السوريين، حتى بين الدمشقيين الموالين لنظام الأسد، ما يعبّر عن حالة من الرفض والغضب لما يحصل من تغيرات في التركيبة السكانية. ويبدو أن استراتيجية إيران على المدى البعيد مرتبطة بشكل وثيق بمسألة التغيير الديموغرافي، إذ إنها تركّز سيطرتها على ثلاثية “العقارات – المستشفيات – السياحة الدينية”.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يفضّل بشار الأسد تمتين علاقته مع الروس على حساب النفوذ الإيراني في سوريا، حيث إن الاستياء من النفوذ الإيراني في سوريا يتجاوز دوائر المعارضة ويصيب قواعد حزب البعث والموالين للأسد أيضاً. من الواضح أن النظام يخشى مشروع التغيير الديموغرافي وما يرافقه من تأثير أيديولوجي يتناقض أساساً مع أيديولوجيا النظام البعثي المناوئ للإسلام السياسي، فيما يقتصر المشروع الروسي في سوريا على زيادة الوجود العسكري والاستثمارات الاقتصادية، والتعامل مع سوريا مستقبلاً كقوة إقليمية تابعة للأجندة الروسية من دون التدخل في النسيج الاجتماعي والديموغرافي.
ومع ذلك، يحاول الأسد تجنب الصدام مع الإيرانيين، فهو لا يزال بحاجة إلى دعمهم العسكري، فيما يحاول الاستفادة من أحداث غزة عبر الامتناع عن المشاركة في عمليات “محور الممانعة” لتعزيز علاقاته الدولية.
الصمت الدموي والأسد النتانياهوي
مستوى الإجرام الإسرائيلي في غزة مهّد له بشار الأسد بمجازره في سوريا. وقد ساهم في ذلك صمت “العالم العربي” عن المجازر التي ارتكبها جيش الأسد، بخاصة بعد إعادة دول الخليج تطبيع العلاقات مع النظام. ويشمل الصمت أيضاً الممارسات الدموية التي قامت بها بعض الفصائل الإسلامية السنيّة المعارضة، باستثناء تنظيم “داعش” الذي تعرّض لحملة استئصال عالمية بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة عربية وإيرانية.
هذا الصمت العربي الدموي، وعدم التفاعل بشكل حاسم مع مجازر بحجم مجازر الأسد في سوريا، أعطى إشارة واضحة الى إسرائيل بأن العرب مستعدون للصمت وعدم التفاعل مع المجازر التي يمكن أن ترتكبها إسرائيل في أي وقت وفي أي مكان، حتى لو بلغت حد الإبادة الجماعية.
يتعامل الأسد اليوم مع فصائل المعارضة السورية باحتقارٍ تام، إذ يعرقل كل إمكانية للتفاوض السلمي والحل الديبلوماسي، تماماً كما يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في غزة حالياً. ففي كلا الحالتين، يُفرض وسيط تجري مشاركته في القتل؛ في سوريا، الوسيط هو روسيا، بينما في حالة فلسطين، تعتبر الولايات المتحدة وسيطاً، وهي في الوقت نفسه رأس الحربة في الدفاع عن إسرائيل وصمام الأمان لها في مواجهة التهديدات المحتملة وردود الأفعال على انتهاكاتها وجرائمها.
يتشابه أسلوب الأسد في التعامل مع الفصائل السورية المعارضة مع طريقة نتانياهو في التعامل مع الفصائل الفلسطينية. وعلى عكس التحليلات التي تربط غياب الأسد عن أحداث غزة بإمكانية تحريك المعارضة السورية لجبهة الشمال، فإن الأسد هو من بادر بالهجوم مرات عدة على مناطق إدلب وريفها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بدعم من القوات الجوية الروسية. كما يستغل الأسد أحداث غزة للالتفاف على قوى المعارضة من خلال التفاوض مع أردوغان، محاولاً تعزيز سيطرته، لكنه في الوقت نفسه يعوق أي تقدم نحو حل سياسي للأزمة السورية، بل يصبّ الزيت على نارها.
رحلة البحث عن الأسد في العالم السفلي
يسير بشار الأسد على نهج الانتهازية البعثية مثل والده حافظ. فقد استخدم الأخير علاقاته المميزة آنذاك بالقوى والأحزاب المنضوية تحت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول” خلال أحداث ومناسبات سياسية مفصلية لتحقيق مكاسب سياسية سورية في لبنان، قبل أن ينقلب عليها ويدفع نحو إشعال حروب داخلية، بخاصة في بيروت الغربية خلال ثمانينات القرن الماضي، كانت ضحيتها على الدوام تلك القوى والأحزاب بالذات. كما استخدم منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، مقدماً لها الدعم العسكري واللوجستي، قبل أن ينقلب عليها ويقوّض نفوذها، محولاً دعمه إلى فصائل فلسطينية أخرى تتبع أوامره بشكل كامل.
بعد الحرب، ضرب حافظ الأسد بكل جهود اليسار اللبناني عرض الحائط، متبنياً المشروع السعودي في اتفاق الطائف، ومركزاً على تأمين نفوذه وتعزيز سلطته في لبنان، ومستفيداً من الحصول على دعم عربي وخليجي على حساب اللبنانيين. اليوم، يتبع ابنه بشار خطاه، حيث ينقلب شيئاً فشيئاً على الوجود الإيراني في سوريا، على الرغم من أن “التضحيات” الإيرانية من أجل نظامه تفوق نظيرتها الروسية بمئات الأضعاف.
لا شك في أن بشار الأسد أصبح يمتلك إدراكاً دقيقاً لطبيعة العلاقات الدولية، بخاصة بعد العزلة التي تعرض لها نظامه. بات يعرف أن الدعم الروسي له أثمن بكثير من الدعم الإيراني، ويشكّل بالنسبة إليه حبل نجاة حقيقياً في المستقبل. فيما تواجه إيران صعوبات كبيرة في مفاوضاتها النووية، وفي موقفها الاستراتيجي بشكل عام، بعدما تعرّضت معادلة الردع التي فرضتها لسنوات للاختراق على أصعدة عدة.
ومع ذلك، يدرك الأسد أيضاً أن هناك ثمناً عليه دفعه، وهذا الثمن سيزداد كلما تزايد التباعد بين طهران ودمشق مقابل التقارب بين موسكو ودمشق. وربما لولا حزب الله اللبناني، الذي يفرض وجوده وعلاقته مع نظام الأسد وزناً سياسياً معيناً، لكانت العلاقات بين سوريا وإيران قد وصلت إلى حالة غير مسبوقة من التدهور أو الصدام!
- درج