نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته كارلوتا غال وسعد الناصيف كشفا فيه كيف أن مسؤولا أمنيا سوريا متهما بالتعذيب اختبأ في أوروبا لسنوات على مرأى من الجميع، تحت حماية عملاء مخابرات إسرائيليين ونمساويين. ووفقا للمدعين العامين، فقد أفلت من محققي جرائم الحرب لأكثر من عقد، مختبئا في شقق بباريس وفيينا.
وأخيرا، يوم الأربعاء، وبعد مطاردة وتحقيق داما 12 عاما، وجهت لائحة اتهام إلى العميد خالد الحلبي، 62 عاما، وهو أرفع مسؤول سوري يتهم في أوروبا بارتكاب جرائم حرب، بتهمة التعذيب.
وهو محتجز الآن لدى السلطات النمساوية منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي. وكانت إحدى قطع اللغز التي قادت المحققين المستقلين إليه هي صورة نشرها العميد لنفسه على وسائل التواصل الاجتماعي على جسر في بودابست.
كما وجهت اتهامات إلى مسؤول سوري سابق آخر عمل معه، وهو المقدم مصعب أبو ركبة، 53 عاما، على الرغم من أنه لم يتضح على الفور ما إذا كان قد تم احتجازه.
وعند إعلان لائحة الاتهام، لم يسم مكتب المدعي العام النمساوي في فيينا المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب “جرائم خطيرة”. لكن المحامين والضحايا المعنيين بالقضية أكدوا أنهما حلبي و أبو ركبة.
ونفى الرجلان، من خلال محاميهما، إساءة معاملة المعتقلين. ولم يستجب محامي الحلبي لطلبات التعليق. ولم يتسن الوصول إليه ولا إلى محامي أبو ركبة للتعليق على خبر لائحة الاتهام.
وتتعلق التهم الموجهة إليهما بدورهما في إخماد انتفاضة الربيع العربي من عام 2011 إلى عام 2013 ضد الديكتاتور السوري، بشار الأسد، في مدينة الرقة.
وتظهر لائحة اتهام الحلبي، على الرغم من أنها تمثل تقدما، مدى صعوبة تقديم أعضاء النظام السابق إلى العدالة.
ولسنوات، عرقلت روسيا، التي لجأ إليها الأسد الآن، محاولات إنشاء محكمة دولية لمحاكمة جرائم الحرب في سوريا. وقد أنشأت الحكومة السورية الجديدة لجنة لجرائم الحرب، لكن مثل هذه الجهود تستغرق سنوات.
وبدلا من ذلك، تركت العدالة للدول بمفردها لمتابعتها. ولكن حتى أولئك الذين عارضوا النظام السابق ربما طوروا مصالح متضاربة أثناء قيامهم بتطوير اتصالاتهم في سوريا.
وكان الحلبي واحدا منهم. وعمل عميلا مزدوجا لجهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، قبل فراره من سوريا عام 2013، وفقا لمحققين يعملون لدى منظمات غير ربحية ومدعين عامين نمساويين.
وسافر الحلبي إلى باريس لكنه هرب عام 2015 مع بدء فرنسا في التدقيق عن كثب في طالبي اللجوء بحثا عن تورطهم المحتمل في جرائم حرب.
وبمساعدة الموساد ومجموعة من ضباط المخابرات النمساويين، نقل عبر أوروبا بالسيارة إلى الحدود النمساوية، وفقا لمدع عام نمساوي. وتعاون ضباط المخابرات النمساويون مع الموساد بمبادرة منهم، وفقا للمدعين العامين، ورافقوا الحلبي إلى فيينا، مدينة الجواسيس العريقة. وكانت ملجأه لفترة من الوقت.
واستغرق المحققون سنوات لاكتشاف مكان الحلبي.
وفي النهاية، تم كشف دور ضباط المخابرات النمساويين، وحقق معهم مدع عام نمساوي، واتهمهم بإساءة استخدام السلطة.
تعد لائحة اتهام الحلبي، وهي الأولى من نوعها في النمسا لمسؤولين من نظام الأسد، علامة فارقة مهمة للنمسا وللضحايا السوريين أيضا. وتأتي هذه التهم عقب إدانات في ألمانيا والسويد لسوريين من النظام السابق.
وذكر التقرير أن الحلبي، وهو أحد أفراد الأقلية الدرزية في سوريا، والتي تضم أيضا جالية كبيرة في إسرائيل، كان ضابطا محترفا في الجيش من مدينة السويداء، بالقرب من العاصمة دمشق. وعين في جهاز المخابرات السوري عام 2001. وفي عام 2008، عين رئيسا لفرع أمن الدولة 335 أحد أجهزة المخابرات السورية، في الرقة.
وعندما اندلعت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد في آذار/ مارس 2011، بدأت أجهزة الأمن السورية باعتقال واستجواب الأشخاص. وكان فرع الحلبي من بينها.
وقال الضحايا إن أجهزة الأمن ركزت على العثور على منظمي الاحتجاجات والنشطاء الذين كانوا ينقلون لقطات فيديو للاحتجاجات إلى وسائل الإعلام الدولية. ومع تزايد المظاهرات، لجأت قوات الأمن إلى استخدام القوة المميتة. وكان التعذيب لانتزاع المعلومات أمرا روتينيا.
وأفاد بيان المدعي العام بأنه تم التعرف على هوية 21 ضحية. وقدم العديد منهم روايات عن الضرب المبرح والصدمات الكهربائية داخل فرع الأمن 335.
وشمل ذلك، كما قال أحدهم، جلسة تعذيب استمرت ليلة كاملة داخل مكتب الحلبي الشخصي.
وقال العديد من الناجين في مقابلات مع صحيفة “نيويورك تايمز” إنهم التقوا بالحلبي في مكتبه قبل اعتقالهم وتعذيبهم هناك. لذلك، حتى وهم كانوا معصوبي الأعين أو تحت الإكراه، كانوا يتعرفون على ما يحيط بهم.
ومع تصاعد وتيرة القتال، فر الحلبي من الرقة في آذار/ مارس 2013، وتسلل إلى تركيا، وبعد بضعة أشهر، وعبر الأردن، وصل إلى باريس، وفقا لما ذكره المحققون والمدعون العامون النمساويون.
في البداية، اهتم محققو جرائم الحرب بالحلبي باعتباره منشقا عن النظام، وفقا لما ذكره كريس إنغلز، مدير لجنة العدالة والمساءلة الدولية. وقد جمعت المنظمة غير الحكومية آلاف الوثائق حول الجرائم المرتكبة في سوريا.
لكن مع جمع المحققين للمعلومات، أصبحوا يعتبرونه مشتبها به، كما قال إنغلز.
ثم في عام 2015، اختفى الحلبي من باريس.
وقد شكلت مبادرة عدالة المجتمع المفتوح، وهي منظمة غير ربحية أخرى تركز على جرائم الحرب، فريقا لتتبع وتعقب مجرمي الحرب المشتبه بهم وتجميع ملفات للمقاضاة.
كان الحلبي أول شخص من 30 شخصا بدأوا الاستقصاء عنهم.
قال ستيف كوستاس، الذي قاد العمل في منظمة المجتمع المفتوح: “كان هو الحالة صفر”.
في كانون الثاني/ يناير 2016، سافر محققو لجنة العدالة والمساءلة الدولية إلى فيينا وعرضوا نتائجهم على مسؤولين في وزارة العدل النمساوية.
بدأ المسؤولون النمساويون بعد ذلك البحث عن الحلبي، واشتبهوا في أن جهاز استخباراتهم كان يحميه.
في نيسان/ أبريل 2023، قدم خمسة نمساويين – أربعة مسؤولين سابقين في جهاز الاستخبارات الداخلية النمساوي ومسؤول سابق في وكالة اللجوء – للمحاكمة بتهمة إساءة استخدام مناصبهم لترتيب منح اللجوء للحلبي بموجب اتفاق مع الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي.
ووفقا للادعاء، سافر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية النمساوي إلى إسرائيل وأبرم اتفاق التعاون مع الموساد في عام 2015.
ووفقا للادعاء في قضيتهم، عمل الحلبي عميلا للموساد في سوريا، وهو الذي طلب إحضاره إلى النمسا.
ووفقا للادعاء، رافق عملاء الموساد الحلبي من فرنسا وسلموه إلى مسؤولي المخابرات النمساويين عند نقطة حدودية. وساعده نظراؤهم في المخابرات النمساوية ومسؤول الهجرة في الحصول على اللجوء ووفروا له شقة دفع ثمنها الموساد. وبالنسبة لضحاياه، فقد زاد التواطؤ الغربي الواضح من معاناتهم بسبب حمايته لجلادهم.
- القدس العربي


























