يفيد المنطق السليم بأن مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف تكون على رأس الأولويات في أي قرار أممي تتولى الولايات المتحدة صياغة مسودته والتفاوض على نصها وإدخال تعديلات تكفل معدلات تصويت عالية، وتضمن عدم استخدام حق النقض (الفيتو) من جانب روسيا والصين بوصفهما طرفَيْ المعارضة المعتادة لخطط واشنطن في مجلس الأمن الدولي.
وهذا هو السيناريو الذي حكم سيرورات القرار 2803 الذي أقره مجلس الأمن الدولي مؤخراً حول قطاع غزة، ابتداء من مشروع أمريكي يعتمد خطة البنود الـ20 التي أعلنها الرئيس الأمريكي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، مروراً بتعديلات هنا وهناك استجابت لمطالب المجموعة العربية والإسلامية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الحالي، وانتهاء بملاقاة التحفظات الروسية والصينية على نحو يضمن تمرير المشروع.
لكن خدمة مصالح دولة الاحتلال احتلت معظم حيثيات القرار، لاعتبار جوهري وحاسم هو أن النص ينطلق من خطة ترامب ويسبغ عليها صفة الشرعية الأممية والإجماع الدولي، وهي التي كانت منذ الولادة لا تراعي المطالب الإسرائيلية فقط، بل تمنحها هوية أمريكية من حيث الرعاية والتنفيذ على الأرض، دبلوماسياً وعسكرياً، وتضيف إليها غطاء أممياً ودولياً وإقليمياً من مجلس الأمن الدولي يحظى أيضاً بموافقة السلطة الوطنية الفلسطينية.
ولا عجب أن المشروع حظي بموافقة 13 من أصل 15 دولة، مقابل امتناع موسكو وبكين عن التصويت، في دلالة صريحة على طراز من المساومات والتنازلات والتسويات يندر أن مجلس الأمن الدولي شهد نظيراً لها بصدد دولة الاحتلال الإسرائيلي تحديداً. فالموافقون عموماً، والمجموعة العربية والإسلامية خصوصاً، وجدوا مقداراً من الإيجابية في مشروع أمريكي يلمح للمرة الأولى إلى إقامة دولة فلسطينية، رغم اشتراط ذلك بإمكانية توافر ظروف «لمسار موثوق يتيح للفلسطينيين تقرير المصير»، وربطه بمرحلة تعقب «تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة».
وأما في جهة الامتناع عن التصويت فقد اعتبرت موسكو أن القرار لا يؤكد على حل الدولتين، خاصة في ضوء «تصريحات عامة لا لبس فيها من أعلى مستويات القيادة الإسرائيلية، تفيد بأنه من غير المقبول إقامة دولة فلسطينية». والنص يعطي مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية صلاحيات التصرف باستقلالية مطلقة «دون أي اعتبار لموقف أو رأي السلطة الفلسطينية، ما قد يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية».
الصين من جانبها شددت على ضرورة احترام إرادة الشعب الفلسطيني في أي ترتيبات لما بعد الحرب، وإفساح المجال كاملاً لدور السلطة الوطنية الفلسطينية، كما أشارت إلى أن الأمم المتحدة تتمتع بخبرات واسعة في مجال التعافي وإعادة الإعمار الاقتصادي، ويتوجب بالتالي أن تلعب دوراً حيوياً في إدارة القطاع ما بعد الحرب.
وإذا كان واجب الحد الأدنى الوطني والكفاحي قد ألزم فصائل المقاومة الفلسطينية بانتقاد المشروع، لجهة نزع سلاح غزة والمساس بحقّ المقاومة المشروع وإخضاع القطاع لسلطة عسكرية دولية تقودها الولايات المتحدة، فإنها مع ذلك في موقف صعب ومعقد إزاء رفض القرار بالمطلق، خاصة وأنه ينطلق من خطة ترامب التي وافقت عليها المقاومة أصلاً.
- القدس العربي


























